محمود ياسين
لا أظن الرئيس قد انتقم من عبد الكريم، وإلا فقد توقف عن العمل في السياسة. الانتقام هذا شأن مراكز قوى غير منسجمة مع رفض الرئيس لفكرة القبول بوجودها. هو لم يقم, من قريب أو بعيد, بنفي فكرة الانتقام الشخصي هذه، وهي فكرة متداولة ولم يحدث أن اعتبرها الرئيس غير لائقة..
ترك الأمر هكذا بدون إيضاحات من أي نوع. حتى إن رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين قال, في حفلة جائزة منظمة العفو التي منحت للخيواني بلندن, إن عبد الكريم معتقل في أحد سجون علي عبدالله صالح...
يدرك الجميع, في الداخل والخارج، أن حبس عبد الكريم جاء نتيجة لعملية تلفيق جنائية طويلة المدى، وأن الرجل وقع ضحية احتكار طرف واحد (متعدد الأولويات) لتفسير وتوجيه قوة الفعل القانوني ضمن عمليات متعجلة لا تنهمك في التفاصيل... حتى إن منطوق الحكم لم يكترث لا للحيثيات ولا لزمنية النفاذ. قال عبد الكريم من وراء شبك السجن المركزي إنهم كتبوا “مع النفاذ المعجل” فيما بعد.
هذا غير مطمئن تماماً، ويستدعي تحذيرات عبد الكريم منذ فترة لزملائه الذين تظهر مقالاتهم الأخيرة، ما اعتبره محاولة تخطي عواقب لغتهم العنيفة في مقالات سابقة.. حذر من أن ذلك لن يجدي، وأن تقديم نصائح هادئة مهذبة لن تدفع السلطات الرسمية لاستثناء أحد من عملية الانتقام في ظروف أكثر ملاءمة.
أنا واحد من الذين اقترحوا على عبد الكريم الخيواني الاتصال بالرئيس (قبل السجن الأخير بالطبع)، على أن يفصح في الاتصال عن تقديره واحترامه الشخصيين، وليس هناك ما يتوجب الاعتذار، وسيكتفي الرئيس بإبداء بعض الاحترام كأي أب شرق أوسطي.
لم يرفض ولم يقبل، متمسكاً بأخلاق الفرسان، وكيف أنه يحترم الرئيس ولكن بدون تهديد.
لم يعد الأمر في فكرة سمعة البلد في الخارج، حيث تظهر الأداءات الرسمية أن أحداً لم يعد يكترث, وأن وجل ما بعد أحداث الـ 11 من سبتمبر وغزو العراق قبل سنين، قد تحول إلى ذلك التعايش الرسمي مع التهديدات ومع سوء السمعة أيضاً. نوع من خبرة من يمضي الحياة على الارتجال..
لم يراهن البعض على قوة المنظمات الدولية وتحذيرات المانحين بشأن التزامات البلد بتعهداته الحقوقية. غير أن ذلك أبدى نفعاً عدة مرات، وأظهر كيف أن النظام الرسمي مستعد للرضوخ إزاء هذه الضغوط. وهكذا خبرنا جدوى اقتسام مجابهة التهديدات مع الآخر الدولي، كوننا زملاء مهنة واحدة ومهام متقاربة تشتغل على الحقوق والحريات.
ذلك فاعل للغاية وأسلوب متداول في تجارب كثيرة، ولم يعد أحد يشير من قريب أو بعيد لفكرة غريبة من نوع “العمالة”.
أصبح العالم متقارباً أكثر من قدرة أنظمة الشرق الأوسط على الفهم.
يظهر هذا الالتباس في طريقة تلقي الصوت الرسمي خبر منح منظمة العفو “جائزة المخاطر” لعبد الكريم.. صحيفة 26 سبتمبر تحدثت عن منح الجائزة “لمجرم”، فيما كان اسم هذا المجرم يتجول بين عناوين كبريات صحف العالم كبطل حقوق وحريات... ومداخلات أشهر الأسماء الصحفية بين لندن وواشنطن..
أكثر من 10 منظمات أفريقية انحازت هي الأخرى للفكرة الحقوقية التي يمثلها عبد الكريم. كان ينبغي أن تبقى المسألة في التزام النظام بتعهداته أولاً وأخيراً.. إذ يمكن البناء على ذلك الالتزام في عملية نقل فكرة الصراع على السلطة من الجبال إلى قاعات الندوات وأعمدة الصحف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق