الأربعاء، نوفمبر 03، 2010

بين صورتين

محمود ياسين


وددت لو أكتب عن المبادرة اليمنية بشأن نزاع فتح وحماس، غير أنني بدوت أقل حماساً للأمر بعد مشاهدة امرأة تبحث عن طعام في برميل القمامة..

تراجعت صورة التوقيع بين ممثلي حماس وفتح لحساب الصورة الأخيرة.. وكأنها الصورة التي يجدر بي التقاطها والكتابة عنها كصحفي أولاً وأخيراً، يستمد أي علاقة له بالوطن من أداءات مشابهة.

المؤتمريون محقون إلى حد ما حين لا يجدون في أيدينا إلا ما يعتبرونه "صوراً فاضحة للوطن"، والصحافة تعمل في بيئة مكتظة بفضائح من هذا النوع..

ولا أحد يجد الوقت ولا الإمكانيات لدراسة المدى الذي يمكنه العمل فيه واكتساب رزقه وهويته دون أن يهدد سمعة بلده. ناهيك عن مطارحات من نوع: الفاسدون هم من يسيء لسمعة البلد.

الصحافة معذورة في الدفاع عن الناس وتحويل صور المعاناة إلى تقارير إخبارية. وهذه الطريقة متبعة في صحافة العالم مع اختلاف ظروف كل بلد..

أخبرني أحد السفراء بصنعاء أن الصحافة المصدر الأول الذي تعتمد عليه الدبلوماسيات العاملة في تكوين صورة عن اليمن، وهي صورة سيئة على كل حال، وهذا ليس تحريضاً على زملائي، لكن هذا ما يحدث، وما من سبيل للحصول بشأنه إلى تسوية من نوع ما.

هذا الكلام سيضيف لما تعتزم السلطات اتخاذه ضد الصحافة مؤخراً.. ولم يعد الأمر في بحث التزام البلد بحرية التعبير وإلى أي مدى يمكنهم تضييق تلك الحرية وضغطها تحت سقف معين. اللهم إلا في مزيد من إجراءات الاعتقال والمحاكمات، ذلك أن القوانين المكتوبة لا تعفي نظاماً ما من تبعات تراجعه عن التزاماته بشأن الديمقراطية.. يبقى الأمر هكذا معلقاً على فكرة الذمة والضمير.. نوع من التزام أخلاقي أولاً وأخيراً ضمن تفاهم طويل المدى يعمل بدافع إبداء النوايا الحسنة لدى الطرفين.

من المهم حقاً تصدر صورة توقيع الفلسطينيين على المبادرة الصفحات الأولى لصحف المعارضة، وألا يبقى الأمر احتفالاً يخص الآخر الرسمي. في حين لا أدري الآن على الأقل أين يجدر بتلك الصحف وضع صورة المرأة وبرميل القمامة، وفي أي صفحة.

في وضع مختل كهذا يخفق أحدنا في أن يبدو متوازناً أو أن يجد صيغة معقولة للحفاظ على سمعة وطن مريض.

ناهيك عن أن وضع الأصابع على مكامن الألم في ظرفٍ ما، يشبه استعراض عاهة لم تعد مؤخراً مبعث مساعدات بقدر ما هي جعل ظروف المريض أكثر سوءاً.

أظن هذه المحاولة نوعاً من السير في حقل ألغام. وهذا نمط حياتنا أولاً وأخيراً، فهو لا يعدو كونه ترتيب أولويات الانتماء. ذلك أن علاقتك بالوطن مرهونة ليس بانتمائك إليه، بقدر انتمائك لمهنة التفاهم معه من خلال الصحيفة أو الحزب أو القبيلة مثلاً.

هويات صغيرة هي ملاذ الفرد في تداعي الهوية الكبيرة.. ولا يعود الوطن مثالاً للدفاع عنه بقدر ما هو طرف للتفاوض معه.

لقد تعلم اليمنيون كيف يصفّون حساباتهم على حساب فكرة الدولة الوطنية. وكيف يقبضون ثمن الصمت والتشنيع.. وكيف أن الحياة مضمونة ببيع الولاء وترتيب صور البلد وفقاً لغياب الصورة الكاملة.. والصورة الكاملة هذه.. عائلة ليس بالضرورة أن تبدو في غاية الألفة، بقدر ما هي مشمولة بتلك الملامح المتواطئة على الانتماء لشيء جوهري وثمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق