الأربعاء، نوفمبر 03، 2010

على طريق خولان.. جرحوا إصبعك

محمود ياسين


لم أتمكن من التهديد باللجوء الجماعي، أفكر بالسفارة الهولندية كلما اختطفوا عبدالكريم الخيواني، وأفكر كيف أنه من المتعذر عليك إظهار الضعف اللائق بسلطة ضعيفة بيدها سوط.

في سالفنا عليك مناداة ظالمك يا جد. فربما ينصاع آخر الأمر لضعفك... نصحت عبدالكريم باتباع "القوة اللينة"، وتأكد لي أنه يفتقر لتلك الليونة لأسباب لم يذكرها لي البتة.

إذ لا يكف عن التنصل من ضعفه، وتلك نقطة ضعفه أمام قبضة فاتك بحاجة لإظهار الوجل.

يمكن لرموز السلطة احتمال الدم والقنابل، إلا أن يقلل أحد من شأنهم. وذلك ما فعله عبدالكريم بطريقة أو بأخرى.

فكرت في أنفه الشامخ بانتظام. وكيف تصرف ذلك الأنف أثناء محاولة صاحبه التمسك بأي شيء حتى لا يقع في الهاوية. أخبروه أنه على حافة (حيد) فتمسك بحصاة ربما دون أن يجد الوقت الكافي للتفكير في نزاهة مختطفيه، وما إن كان يرتجف على حافة هاوية أم حافة جربة في خولان. اكتشف ذلك بعد التخلص من عصابة ربطوا بها عينيه.. وأن تكتشف أنك على حافة جربة فقط فذلك لا يعني استردادك لثقةً فقدتها على حافة هاوية أخبرك عنها رجال عدوانيون للغاية. رجال يكرهون شموخك لدرجة إسداء النصيحة لك "عيش – عيش".. يريدونك أن تعيش كما يلائمهم. إن شجاعة المنشق تعريض بقدرة الخاطف وإنكار لوجوده الذي يتجلى في الإيذاء ويجد نفسه في ارتجاف الضحية.

في أسلوب "أنت على حافة حيد يا صحفي" نوع من تقليد أسلوب مخابراتي لاتيني تتبعه الأجهزة مع منشق معصوب العينين يتوهم للحظات أنهم دفعوه من باب هيلوكابتر تحلق في الأعالي.. يسمع هدير مروحتها دون أن يدري أنها راسية على الأرض... المهم يحصلون على القدر المطلوب من الصدمة.

لقد تم ترويعه ولا ينتهي الأمر بفرحةٍ من نوع "الحمد لله – قفزوني متر فقط".. إذ يسجلها نظامه العصبي على أنها (هاوية) يبقى مطوحاً فيها إلى آخر يوم في عمره. يعيش في الهاوية. وساعة يموت عندها فقط يرتطم بالأرض.

لا أدري ما الذي تفعله أو تثيره جملة من نوع "هذا تجاوز خطير للقانون"؟

هل سيعيد هذا شيئاً مما فقده عبدالكريم في أرضية السيارة وعلى حافة الهاوية..؟

هل ستخرج اليمن من برنامج الألفية؟ ثم ماذا..؟ سيقومون بإيذائه مجدداً، وسننام ساعات أقل كأي أناس لم يعد لديهم سوى الكراهية.

لم يكن الأمر مجرد سوء فهم كما كنت أعتقد في مبالغتهم لخطر عبدالكريم... هناك دافع مقزز اسمه الانتقام.. عملية الاختطاف مسألة حسابات شخصية محضة. لقد أخذوا على عاتقهم تحطيم الرجل.

أفكر في إصبعه المعطوف كأي إصبع لا يصدق أنه أفلت من ساطور البتر.. جرحوه بشدة وتركوه ليتذكر جيداً كيف يتحاشى إغضاب الساطور عند كل مسكة قلم.. تركوه ليحرس عبدالكريم من شجاعته ومن نصائح أنفه المعقوف، ومن تلك الومضات لرجل يسير وراء روحه. تركوه يحرس عبدالكريم من المقامرة بما تبقى منها.

لا أثقل على ليلك من إصبع مجروح لا يريد أن يتخلص منك. يخشى على الدوام أن يغفل عنك فتجازف وتتخلص منه.

لا أفتك من حراسة عاهة ذاكرتها جيدة.

أطفالك يا عبدالكريم وإصبعك المتضرر والعائلة المقدسة.. وضعفك الإنساني.. وكيف يمكننا ردعهم.

ألوذ بما كنت قد تخليت عنه من رومانسيات التضامن الإنساني تجاه الإذلال. ذلك يجعلنا أقرب بعض الشيء.. (كم كنت وحدك يا ابن أمي.. كم كنت وحدك).

أحدق في صوت "مي نصري" تغني "على طريق عيتيت يامي.. قطعوا صلاتي".. لم يصفقوا لها بعد... لا تزال تغني لإصبعك الوجل. ومي هذه إنسان طيب من ذلك النوع من بشر يحضرون بينك وبين ألمك.. يتمكنون بطريقة ما من التقريب بينك وبين إصبعك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق