محمود ياسين
ستتغير البلاد. هذا قريب والرجال يعملون بدأب كأي ورثة وضع خاطئ أصلاً. ورثة أيديولوجيات وعرقيات، وورثة رئيس يعملون جميعاً تحت ضغط الوقت.. لن يقود هذا التغيير إلى دولة حقوق وحريات بقدر ما سينتهي بقوافل نازحين.
لم يعد مهماً التدقيق في سجلات نظام آيل للسقوط للتأكد أن غاضبي الجنوب على حق. ولم يعد مهماً إقناعهم بكونهم أيضاً قوى غير عاقلة لا تدري بعض مفاصلها شيئاً عن دور خارجي وممولين يصفون حساباتهم مع علي عبدالله صالح.
مؤخراً، لا أحد يدافع عن الرئيس، رجاله منشغلون في اقتسام التركة، ويتسرب كل شيء من حمّى المنافسة على ما قبل فوات الأوان. يتسرب أيضاً من ذلك الوجوم في ممرات الوزارات فتور امتداح رجل لم يكن عادلاً تماماً بشأن توزيع الغنائم.
ما من وثائق يمكن من خلالها إدانة رجال الرئيس. هو يعرف كأي رجل خبر ما يفعله المال بالرجال. ثم إن الوقت لم يعد يسمح بعقاب رجال عجلوا بالنهاية ليبقى الأسف وحده منهج تحليل الوضع برمته..
في قصر يلدز كان رجال البلاط يبيعون قرارات السلطان عبدالحميد ويفصحون عن كراهية بعضهم كما يفعل رجال الرئيس الآن تماماً.
هكذا التاريخ يعيد نفسه إلى ما قبل دخول كمال أتاتورك قصر يلدز بدقائق. ما من أتاتورك هنا.. كلنا إسلاميون بطريقة أو بأخرى. لا أدري كيف أتورط في كلام الإنشاء هذا مجدداً... ربما لأن هذا ما ستكون عليه الأيام القادمة: عواطف. محض عواطف معلقة على المجد والتكهنات وضروب المآسي حيث لا شيء يمكن التعويل عليه غير الحظ الكبير.
يبتزني الجنوبيون نفسياً.. علاقة تثاقف بين كاتب وجنوبيين قرأوا كتباً كثيرة. لطالما شغفنا بالمقاربات الحقوقية والمدنية وأصبح علي تملق خياراتهم حتى النهاية. حتى إن الاستفسار عن مستوى وعي (النوبة) تشكيك بثورة ثقافية ليس من بين قيادتها عسيب واحد. عليَّ أن أنفذ ثم أناقش خيارات الثورة بغير ما حاجة للتساؤل عن أسماء السلاطين ورجال 13 يناير المشاركين، والتغابي عن فكرة كراهيتهم لي كشمالي يلبس بنطلون.
ماذا لو لم تكن حرب صيف 94 قد جرت على هذا النحو؟ لا أدري كيف كان لها أن تجري بما يلائم النوبة؟ ماذا لو لم تنهب أراضي عدن، أكنت لأحظى بعلاقة ثقافية عادية مع وعي النخبة الجنوبية، بدلاً من هذه العلاقة الأقرب إلى التكفير عن أخطاء قومي، وكأنني رسام ألماني يوزع لوحاته بين الناجين من الهلوكوست!
سأخبركم شيئاً: أنتم لم تخدعوا بشأن الوحدة أصلاً. قررها علي سالم، دونكم، واعتبرتم هزيمته في الحرب بالأصالة عن كل واحد منكم.
مع أول اعتكاف كان الوعي الجمعي في الجنوب يمنح البيض الدعم الكافي لتصحيح خطئه وإعادة الأمور إلى نصابها. وكانت هزيمة 94، مسألة شخصية لها علاقة بالشرف. وكانت عمليات الفيد والإقصاء خطيئة المخطئ الذي لا يملك إلا أنه يخطئ.
لم يُستثن صاحب تهامة من النهب رغم أنه شمالي. رفض الحضارم الوحدة من أول يوم.. نكتوا وأخبرونا كم أننا دحابشة و.. ضحكنا. ضحكنا كما يفعل أقارب السرق.
لندع الوحدة جانباً، فلا أحد يكترث لها الآن، بمن في ذلك الرئيس الذي سئم تبعات هذا المجد التاريخي والمحاججة بشأنه. إذ يشبه الأمر اقتتال ورثة على أوقاف مسجد لا يصلي فيه أحد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق