الأربعاء، نوفمبر 03، 2010

ليس لدى الرئيس ما يفعله

محمود ياسين

استعاد الرئيس لياقته في موهبة التواضع، وقام بما هو صائب أخيراً في اتفاق للخروج من كمين صعدة..

سلسلة أخطاء في متوالية لعينة مكنت اشتباكات صعدة من تهديد ما تبقى من فكرة الدولة، أظنه يرزح تحت وطأة فقدان السيطرة وتلقي النصائح السيئة المصاحبة لأزمة ما بعد الستين عاماً..

لطالما أبقى الأمور في يده، يصادم ويسترضي ويسامح في ما يشبه التمتع بمزايا (أن لا شيء شخصي)، وأدار البلاد بسيكولوجيا الشجاعة المرتجلة. وما دام الرئيس واسع الحيلة فالصيغة التوفيقية ضامنة للحد الأدنى من السلم الاجتماعي، غير أنه تجاوز الستين دون الاهتمام بالتأكد من ملاءمة مستشاريه لأيام ضيق الصدر..

وأن يضيق صدر الرئيس بين مجموعة مستشارين ضيقي الأفق، فستنشأ حرب في صعدة، أحداث أشبه بالفكاهة العصية على الشرح، إذ لا يسع أحد شرح الفكاهة، وفقاً لميلان كونديرا.

هكذا بدأت الأمور بدعم مجموعة قد تهدد الإسلاميين ووحدة الهاشميين في آن، وانتهت بخيبة أمل بلاد لطالما راهنت على حذاقة رجل لا ينام... النوم بضمانة أن الأمور بيد رجل عاقل، رجل لا تربطه بمؤشرات التنمية علاقة، ولا يأبه للخطوط البيانية ومحددات البطالة والدخل، ولم تضغط عليه النخبة لمذاكرة بحوث الاقتصاد والتوقف عن إدارة البلاد بالارتجال. كان الجميع متفهماً لافتقار الرئيس لفضيلة التخطيط وفهم ما هو أساسي أكثر وبسيط أكثر، وذلك مقابل ضمانته الشخصية لإبقاء الأمور دون مرحلة التهديد..

وأدرك الوعي الجمعي أن الرئيس لم يعد حاذقاً بما يكفي، وأننا فقدنا شيخاً عاقلاً ولم نحصل على ديكتاتور لديه طموحات اقتصادية..

علق الرئيس في المنتصف؛ عند الديمقراطية الناشئة، وفي النقطة التي بدا من الممكن فيها التمييز بين متاعب الدولة ومتاعب الرئيس.

لم يكن هناك صيغة أخرى غير هذه. والاتفاق هو في الأصل قبول الرئيس بفكرة أنه هزم في صعدة، لا يستحق المدح على الاتفاق، ولا يستحق الذم أيضاً، فلم يكن بوسعه شيء آخر، وهو الذي بقي مكابراً منذ البدء، معزياً نفسه بشائعات قادمة من خارج الأسوار، وكيف أنه يسعى لإهلاك علي محسن في صعدة، على أن الأمر أقرب إلى فخ نصب لآخر الأقوياء وليس خطأ ما قبل النهاية بقليل.

لم تكن حرب صعدة غلطة شاطر بقدر ما هي خطيئة بطالة الأيام الأخيرة.. وبالنسبة لرجل مثل علي عبدالله صالح يمكن فهمه بتلك الطريقة التي تصوره كمن يفرح بشائعات تؤكد بقاءه داهية البلاد الأول الذي دفع بتوأمه السياسي إلى الفخ. هكذا هي شخصيته يحب كونه خطيراً ويفقد يقظته أثناء تأكيد هذا المعنى ولو بثمن فادح كتوجس رجل بحجم علي محسن وخيبة أمل تنظيم مثل الإصلاح الذي اعتبره مجرد (كرت) في حربه مع الجنوب، قالها متعجلاً أمام إغراء فكرة الرجل الخطير المتلاعب بالكروت.

هكذا هي الأيام تحيل الأبطال إلى أشخاص مملين، تورطهم في الإصرار بعد أن تجردهم من القدرة على المغادرة.

ذلك الفخ الذي يتأكد فيه الرجل من أنه كان جيداً، يتأكد من ذلك على الدوام للامتلاء بالقدرة على فعل ما ليس جيداً.

شأن الأعمار الافتراضية المنتهية والألعاب المغلقة التي أقفلت أحجار الدومينو من الجهتين،

شأن النهايات خاصة مجتمعات الخيارات الضيقة، لا يسعه أن يغادر ولا يمكنه إطالة عمر الشيخ عبدالله وإعادة البيض إلى الكرسي المقابل. ولا يمكنه القبول بلاعبين جدد، هو لا يحبهم أصلاً.. إنهم يفتقرون إلى الندية ولا يمكن التنبؤ بخطواتهم...

هو جالس فحسب يتحاشى النظر إلى ساعته أثناء الهرب من فكرة أنَّ قدرته على توريث الكرسي أمست هي الأخرى موضع شك...

وإذن، بدأ الوقت يتململ بين أصابع رئيس ينقر على الطاولة.


نُشرت بتاريخ سابق في صحيفة الشارع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق