محمود ياسين
sayfye@gmail.com
أيام التشوش الذهني تمر هي الأخرى، لا تبقى. والتركيز ليس معجزة البتة...
غير أن فكرة أن يهتم العالم بتركيزه الذهني على هذا النحو؛ يدفع أحدنا لإعادة النظر في مقولة من نوع "بؤس المصير الإنساني".
ذلك أن حكايا الجهد الهائل الذي يتم بذله في سبيل التركيز والصفاء، هو ذلك النوع من طموحات النرفانا بالنسبة للمستميتين في تسكين أرواحهم. تلك الحكايا متداولة في الروايات, ونصائح إبراهيم الفقي، وفي برنامج أوبرا وينفري.
يمكن هنا إدراك أن ثمة ضعفاً إنسانياً مشتركاً، بالغ الحاجة لمسألة التركيز والسكينة. هذا الضعف الذي يجعل من إبراهيم الفقي على درجة من النجومية. حتى أن إبراهيم بحاجة إلى مستوى عال من النضج والكياسة، ليتم اكتشافه على أنه مهرج يلوي أنفه المتوترة أثناء إلقاء نصائحه الأثيرة عن الإطمئنان.
إيراد نموذج إبراهيم الفقي هنا هو للتساؤل عن: ما الذي يعانيه العالم لدرجة أن يبدو بحاجة لإبراهيم... يزيح الوجدان الذكي - في أغلب ضروب الضعف- استخلاصاته النابهة والكتب التي قرأها، ويزيح حتى تلك الموهبة في اكتشاف الادعاء .. يزيح ذلك كله ويصغي لإبراهيم.
هل مرّت بك واحدة من حكايا قلق العالم الغربي الهائم على وجهه في أزقة التاريخ اللاهوتي للهند بحثاً عن السكينة؟ حتى أن أحدهم ليقسر روحه ويدفعها بلا هوادة لتقترب أكثر من الآلهة ذات الثمانية أذرع، وهو يقوم بذلك في ما يشبه الانخراط في تقليعة لا يبدو أنها ستمضي ..
فتيات يذهبن إلى معابد شرق الصين، ويمضين السنوات في محاكاة تلك الجلسة الشهيرة لما يبدو أنه أسلوب آلهة التأمل في الجلوس.
ويبدو من هذا السرد, من أول الموضوع, أن الأمر ليس مشجعاً؛ إذ إنني في سبيل ذكر أشياء من نوع القولون... حتى أن شخصية ناصح هنا من خلال المقالة تلوح في الأفق، وكأن الأمر هو في أن يقوم أحدنا بتقديم نفسه كنموذج متطور ولاحق لنموذج إبراهيم, أو أن الأمر هنا- إن شئنا الدقة- في كراهية أن يمضي العالم حياته بحثاً عن الاستقرار والتصالح مع الذات.
على مدى جلسات كثيرة، ودون أن أدري، قمت بإسداء نصائح، لها علاقة بالسكينة. أظنني رددت أشياء من قبيل "كن أنت". والغريب أنني قمت بذلك في غمرة الاطمئنان، لكوني قد نضجت بما يكفي للابتسام أثناء المرور بنصائح إبراهيم...
والغريب أيضاً أنني, وحتى هذه اللحظة، أخشى أن أدين الكفاح من أجل الطمأنينة، ثم أحتاج لذلك الكفاح فيما بعد.
وأن يمضي أحدنا شطراً من عمره، وهو يفكر في القولون، لهو من الأعمال غير الجديرة بالاحترام؛ وكأن ارتخاء منطقة ما في هذا الجسد, إنجاز من نوع ما.
لم يصل العالم بعد لمرحلة إدراك مزايا القلق. أنا لا أريد إدراك تلك المزايا. مزايا أن يتعرّق أحدنا وأن يبدو متهافتاً، ويختبر تلك الرغبات الضاجة، مصغياً لصخب دنيا هو فيها، وهي تمور داخله على سجيتها...
لقد تم خسران حبيبات كثيرة ومسرات وملذات لأجل مخدر بالغ الضراوة، من نوع السكينة؛ حتى أن أحدهم ليدعوك إلى مسيرة تسكين روحك، حتى ترى الجوهر في قاعها، عندما تصبح روحك مثل بحيرة.
إن العالم برمته, كل العالم سواء الذي فيه انتخابات نزيهة، أو الذي يتم حكمه باسم الآلهة، يتساوى في ما يشبه الحاجة الواحدة للطب الشعبي. هناك نهم عالمي للروحانيات أظنه ناشئ عن حالة مابعد الحداثه الذي يمثله ناصح ما.
شيء هكذا من قبيل (الدكتور فل), وهو رجل ضخم يتصرف بذكاء مستميت بالغ الهدوء, لأنه يعرف ما الذي تسبب في كل مشكلة زوجية أو عاطفية. والناس يحدقون أثناء مغادرة الدكتور لاستوديو البرنامج، متأبطاً ذراع زوجته التي تنتظره آخر كل حلقة.
لا أحد يمكنه الجزم.. ما الذي تقوم به زوجة الدكتور فل، غير القيام بعرض نموذج السكينة العائلية؟ حتى أن العالم لا يخطر له شيء عن صوت زوجة الدكتور فل، أو عن نزعاتها الأيروتيكية.
ثمة برنامج قام بعرض قصة عائلة أميركية، سافرت إلى المغرب في عطلة سكينة، عند صديق غربي يقطن في الريف، ويفترض به الانتماء لعالم لا يزال متصالحاً مع ذاته، لأنه ليس فيه شركة "جنرال موتورز". المهم أن الكاميرا قامت بعرض الغوط المنتشر قريباً من منزل الضيافة، وكيف أن أطفال العالم الغربي القلق، اختبروا سكينة التلقائية البشرية، وهي تتخلص من فضلاتها!
ثم إن الحشرات تركت أثراً بالغاً في أجسادهم اللدنة، وقامت السيدة الأميركية بمشاطرة نساء ريف المغرب غسل الملابس في ممر مائي صغير تحت الشمس. وغادرت العائلة تلك، ولا شيء يفصح عن مستوى السكينة التي تركته الرحلة والتجربة عليهم.
غير أن المهم هو الحصول على حكاية جديدة؛ تجعل من أمر محبة هذا العالم متعذرة.
يتم عرض الصخب على أنه أقر ب إلى عبادة الشيطان. شيئ من قبيل طقس جسدي شره؛ ينتهي بتلاشي الروح ... يا للروح اللعينة، التي أصبحت مجرد زوج، يبحث عن زوجة هادئة .. روح عالم صناعي حتى النخاع، انحاز مؤخراً للبيئة! مع أن التلوث نشأ كنتيجة لتصنيع أشياء كثيره تلبي رغبات البشر وتجعل حياتهم أسهل.
ولقد أمضى الصخب فترات ملهمة في الماضي. أيام تطور الآلات الموسيقية، وتطور الرقصات، في دنيا لها علاقة باللذة أظن.
تدور هذه المحاولة حول اللا نصيحة، وتحاول أن تتأكد من أن لا أحد في هذا العالم يعرف الآخر. لا شيئ يمكن الحصول عليه جماعياً، ولا حتى الصخب.
وتدور أيضاً حول المرضيّة التي تحول بينك وبين كل الذي تشتهيه.
أعرف رجلاً رفض أن يهدأ. رفض كل النصائح، وأصيب بالسكر. وقال إن هناك طريقة غير التوقف عن الغضب والتهام الهريسه للنجاة من السكر.
أظن كبده قد تخثر، وسمعَت المنطقة كلها كيف بصق دمه في مصلّى المسجد، دون أن يتراجع قيد أنملة عن حاجته للسهر. هو يريد أن يصخب، ولا يمكن التخلي عن الهريسة، وبوده لو أن أحداً لم يخبره عن السكر البته. غير أن الناس سيئون للغاية، وفاقدون للأهلية، ولم يعودوا أهل قرى.
تصور إمام جامع لم يعد يقول لك: "دع المقادير تجرى في أعنتها". فهو قد تابع البارحة إبراهيم الفقي، واستيقظ باكراً ليردد شيئاً عن الهدوء.
الرجل الذي بصق دمه في المصلّى، لا يريد زوجة هادئة. وتعرف القر ية كلها كم أنه مهووس بفكرة العنف الذي يؤجج الرغبة. رجل ضاج أصيب بالسكر، وحصل على فيزا إلى السعودية. هو لم يعلن أنه سيقوم بتحويل كل النقود التي سيحصل عليها إلى "هريسة" ومكبرات صوت ضخمة.
غير أنه سيتزوج مجدداً، ولن يحذر شيئاً البتة.
غير أن فكرة أن يهتم العالم بتركيزه الذهني على هذا النحو؛ يدفع أحدنا لإعادة النظر في مقولة من نوع "بؤس المصير الإنساني".
ذلك أن حكايا الجهد الهائل الذي يتم بذله في سبيل التركيز والصفاء، هو ذلك النوع من طموحات النرفانا بالنسبة للمستميتين في تسكين أرواحهم. تلك الحكايا متداولة في الروايات, ونصائح إبراهيم الفقي، وفي برنامج أوبرا وينفري.
يمكن هنا إدراك أن ثمة ضعفاً إنسانياً مشتركاً، بالغ الحاجة لمسألة التركيز والسكينة. هذا الضعف الذي يجعل من إبراهيم الفقي على درجة من النجومية. حتى أن إبراهيم بحاجة إلى مستوى عال من النضج والكياسة، ليتم اكتشافه على أنه مهرج يلوي أنفه المتوترة أثناء إلقاء نصائحه الأثيرة عن الإطمئنان.
إيراد نموذج إبراهيم الفقي هنا هو للتساؤل عن: ما الذي يعانيه العالم لدرجة أن يبدو بحاجة لإبراهيم... يزيح الوجدان الذكي - في أغلب ضروب الضعف- استخلاصاته النابهة والكتب التي قرأها، ويزيح حتى تلك الموهبة في اكتشاف الادعاء .. يزيح ذلك كله ويصغي لإبراهيم.
هل مرّت بك واحدة من حكايا قلق العالم الغربي الهائم على وجهه في أزقة التاريخ اللاهوتي للهند بحثاً عن السكينة؟ حتى أن أحدهم ليقسر روحه ويدفعها بلا هوادة لتقترب أكثر من الآلهة ذات الثمانية أذرع، وهو يقوم بذلك في ما يشبه الانخراط في تقليعة لا يبدو أنها ستمضي ..
فتيات يذهبن إلى معابد شرق الصين، ويمضين السنوات في محاكاة تلك الجلسة الشهيرة لما يبدو أنه أسلوب آلهة التأمل في الجلوس.
ويبدو من هذا السرد, من أول الموضوع, أن الأمر ليس مشجعاً؛ إذ إنني في سبيل ذكر أشياء من نوع القولون... حتى أن شخصية ناصح هنا من خلال المقالة تلوح في الأفق، وكأن الأمر هو في أن يقوم أحدنا بتقديم نفسه كنموذج متطور ولاحق لنموذج إبراهيم, أو أن الأمر هنا- إن شئنا الدقة- في كراهية أن يمضي العالم حياته بحثاً عن الاستقرار والتصالح مع الذات.
على مدى جلسات كثيرة، ودون أن أدري، قمت بإسداء نصائح، لها علاقة بالسكينة. أظنني رددت أشياء من قبيل "كن أنت". والغريب أنني قمت بذلك في غمرة الاطمئنان، لكوني قد نضجت بما يكفي للابتسام أثناء المرور بنصائح إبراهيم...
والغريب أيضاً أنني, وحتى هذه اللحظة، أخشى أن أدين الكفاح من أجل الطمأنينة، ثم أحتاج لذلك الكفاح فيما بعد.
وأن يمضي أحدنا شطراً من عمره، وهو يفكر في القولون، لهو من الأعمال غير الجديرة بالاحترام؛ وكأن ارتخاء منطقة ما في هذا الجسد, إنجاز من نوع ما.
لم يصل العالم بعد لمرحلة إدراك مزايا القلق. أنا لا أريد إدراك تلك المزايا. مزايا أن يتعرّق أحدنا وأن يبدو متهافتاً، ويختبر تلك الرغبات الضاجة، مصغياً لصخب دنيا هو فيها، وهي تمور داخله على سجيتها...
لقد تم خسران حبيبات كثيرة ومسرات وملذات لأجل مخدر بالغ الضراوة، من نوع السكينة؛ حتى أن أحدهم ليدعوك إلى مسيرة تسكين روحك، حتى ترى الجوهر في قاعها، عندما تصبح روحك مثل بحيرة.
إن العالم برمته, كل العالم سواء الذي فيه انتخابات نزيهة، أو الذي يتم حكمه باسم الآلهة، يتساوى في ما يشبه الحاجة الواحدة للطب الشعبي. هناك نهم عالمي للروحانيات أظنه ناشئ عن حالة مابعد الحداثه الذي يمثله ناصح ما.
شيء هكذا من قبيل (الدكتور فل), وهو رجل ضخم يتصرف بذكاء مستميت بالغ الهدوء, لأنه يعرف ما الذي تسبب في كل مشكلة زوجية أو عاطفية. والناس يحدقون أثناء مغادرة الدكتور لاستوديو البرنامج، متأبطاً ذراع زوجته التي تنتظره آخر كل حلقة.
لا أحد يمكنه الجزم.. ما الذي تقوم به زوجة الدكتور فل، غير القيام بعرض نموذج السكينة العائلية؟ حتى أن العالم لا يخطر له شيء عن صوت زوجة الدكتور فل، أو عن نزعاتها الأيروتيكية.
ثمة برنامج قام بعرض قصة عائلة أميركية، سافرت إلى المغرب في عطلة سكينة، عند صديق غربي يقطن في الريف، ويفترض به الانتماء لعالم لا يزال متصالحاً مع ذاته، لأنه ليس فيه شركة "جنرال موتورز". المهم أن الكاميرا قامت بعرض الغوط المنتشر قريباً من منزل الضيافة، وكيف أن أطفال العالم الغربي القلق، اختبروا سكينة التلقائية البشرية، وهي تتخلص من فضلاتها!
ثم إن الحشرات تركت أثراً بالغاً في أجسادهم اللدنة، وقامت السيدة الأميركية بمشاطرة نساء ريف المغرب غسل الملابس في ممر مائي صغير تحت الشمس. وغادرت العائلة تلك، ولا شيء يفصح عن مستوى السكينة التي تركته الرحلة والتجربة عليهم.
غير أن المهم هو الحصول على حكاية جديدة؛ تجعل من أمر محبة هذا العالم متعذرة.
يتم عرض الصخب على أنه أقر ب إلى عبادة الشيطان. شيئ من قبيل طقس جسدي شره؛ ينتهي بتلاشي الروح ... يا للروح اللعينة، التي أصبحت مجرد زوج، يبحث عن زوجة هادئة .. روح عالم صناعي حتى النخاع، انحاز مؤخراً للبيئة! مع أن التلوث نشأ كنتيجة لتصنيع أشياء كثيره تلبي رغبات البشر وتجعل حياتهم أسهل.
ولقد أمضى الصخب فترات ملهمة في الماضي. أيام تطور الآلات الموسيقية، وتطور الرقصات، في دنيا لها علاقة باللذة أظن.
تدور هذه المحاولة حول اللا نصيحة، وتحاول أن تتأكد من أن لا أحد في هذا العالم يعرف الآخر. لا شيئ يمكن الحصول عليه جماعياً، ولا حتى الصخب.
وتدور أيضاً حول المرضيّة التي تحول بينك وبين كل الذي تشتهيه.
أعرف رجلاً رفض أن يهدأ. رفض كل النصائح، وأصيب بالسكر. وقال إن هناك طريقة غير التوقف عن الغضب والتهام الهريسه للنجاة من السكر.
أظن كبده قد تخثر، وسمعَت المنطقة كلها كيف بصق دمه في مصلّى المسجد، دون أن يتراجع قيد أنملة عن حاجته للسهر. هو يريد أن يصخب، ولا يمكن التخلي عن الهريسة، وبوده لو أن أحداً لم يخبره عن السكر البته. غير أن الناس سيئون للغاية، وفاقدون للأهلية، ولم يعودوا أهل قرى.
تصور إمام جامع لم يعد يقول لك: "دع المقادير تجرى في أعنتها". فهو قد تابع البارحة إبراهيم الفقي، واستيقظ باكراً ليردد شيئاً عن الهدوء.
الرجل الذي بصق دمه في المصلّى، لا يريد زوجة هادئة. وتعرف القر ية كلها كم أنه مهووس بفكرة العنف الذي يؤجج الرغبة. رجل ضاج أصيب بالسكر، وحصل على فيزا إلى السعودية. هو لم يعلن أنه سيقوم بتحويل كل النقود التي سيحصل عليها إلى "هريسة" ومكبرات صوت ضخمة.
غير أنه سيتزوج مجدداً، ولن يحذر شيئاً البتة.
* كُتب في نوفمبر 2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق