الأربعاء، فبراير 22، 2012

العدالة كثمن لكفن الرجل العجوز

محمود ياسين
sayfye@gmail.com

العدالة هذه غريبة . مضى عليها زمن كثير وهي لم تصبح في متناول المغلوبين والحالمين , ولم ييأس العالم العاطش لهذه العداله من الحصول عليها .
حالة مخاتلة تلوح وتقترب حتى تكاد تلامسها, وفجأة تقول لك ليس الآن, المسألة مراحل , وتقدم لك العدالة ذاتها جملة أسباب لتأجيل الحصول عليها , وهي أسباب وجيهة بالنسبة ليمني عليه تفهم المرحلية والمنطق الذي يراعي طبيعة المجتمع اليمني, وكأن طبيعة هذا المجتمع تتنافى والأشياء الرائعة , وضدا على الحلم والتحضر .
الآن سنكتفي بانتخابات توافقية , ونحن لم نعد نملك الوقت ولا الصبر .

كل الضرورات تقول لك ليس الآن . متى إذن؟ هي تشبه فتاة لعوباً تغامزك حتى تصل إلى الباب وتكاد تلامس فيها جذل الحياة ومثاليتها الفاتنة , وفجأة تخبرك أنها تخاف الله . لماذا غازلتني إذن ؟
صحيح أن الرئيس لم يعد رئيسنا لكن ما الجديد ؟ أين طعم الانتصار في فم الثورة ؟ وماهو الزمن هذا إن كان مكتظاً بكل المحظوظين والناس الذين لانحبهم ويذكروننا بالجهل والعادات السيئة ؟ كان أغلبهم في الماضي خصوماً وأهدافا شرعية لنا نحن المغلوبين . الآن أصبح علينا مصاحبتهم واحتمال رائحتهم الكريهة, بينما تتلون وجوهنا أثناء ادعائنا تصديق أوسخ كذبة عرفها تاريخ النضال في سبيل العدالة. وأكثر الأكاذيب ابتزازاً وسلخاً لشخصيتنا .

نحن حالمون مغلوبون , نفكر في الديون والكتب والموسيقى أثناء تبادل النكات ورثاء الذات, وعلينا مصاحبة أناس يفكرون في الصوالين والزوجات الأربع واللجنة الخاصة وأشياء كالاعتمادات والخطورة وأهل سنحان وكيف يتصلون بعلي محسن . مزاجهم يفتقر الحيوية والمرح , ويحتاجون لكل شيء الإ العدالة . العدالة التي منحتنا عشيرتها في اليمن وكأنها ابنة قاطع طريق أوصلتك إلى البيت لتعمل في تنظيف مؤخرة أبيها , وتروج عن إخواتها شائعات القوة والفتك .

لن أرد مقولة أن العدالة مستحيلة , لأحصل على شخصية تروتسكي, وألوكها في أعماقي كعزاء يجعلني عميقاً وراثياً للعالم , كأن أحدق بألم من خلص إلى سوء الناس واختلال معادلة الحياة. الأمر أننا تصرفنا بسذاجة , فقد أعمانا استياؤنا من الرئيس لدرجة السماح لكل عصابته في مشاركتنا دفعه السماح لكل عصابته في مشاركتنا دفعه خارجاُ قبل موته بقليل . فقد كان على وشك التداعيب , وكل ما فعلناه هو دفع البلد وحياتنا كلها ثمناً لكفن العجوز , ومنحنا العصابة كلها السبب الأخلاقي لبدء حياتهم من جديد, أبرياء مشمولين بالحب والتكريم , وسيلوذ المثقفون من الان بالبحث عن طريقة لمغالبة الإصلاح وفهمه , والنقمة عليه , وإدانة أي تورط للحزب في التكفير , ويحاولون أيضاً إخفاء اليأس الرهيب.

في هذه الغمغمة الطويلة عن عدم كفايتنا مما يحدث , هناك إشارة لحالة أننا لا نشعر بالرضا. هذا هو الأمر , وبمعزل عن استدعاء اسم حزب نلامسه كمن يعمل على تفكيك لغم. إنها محاولة على قدر من اللعب بالوقت واللاجدوى ,كل ما هنالك أن المثقفين ما التزموا بفكرة العدالة , وتم توزيع الجميع على رجال الماضي المسترخين , بينما كان من المهم خضهم بعنف الامتعاض من كوننا مالهذا خرجنا.

جعل ما يقعدني الآن هو أنه ما من كلفة بقيت بيننا وبين المخطئين . وأن تقوم برفع الكلفة مع ما يناقض جوهرك ,وما يتهددك على الدوام , سينبت لك ذيل تهزه على سبيل إبداء التفهم وتخمش أقرب كائن مثقف في قطيعك تبادلة التسابق على فتات الخصوم ,وتبادلة الملاحظات اللئيمة .
إنها مهنة أبناء الناس الطيبين بعد الثورات يعملون كأجهزة أمنية وكحراس ينوشون بعضهم أثناء تعذر العدالة , وتعذر الشروع في مهمة للب

حث عن العدالة كمتاح وحالة رضا ,وليس كمعضلة تاريخية وهواية تخلَّ ويأس غالباً ما يتم اكتشافها بعد الثورات . ذلك أن لا احد يردد شيئاً عن استحالة العدالة في بداية الثورة . نشرخ الميكرفونات مبشرين بها , وكيف أنها هناك على تخوم الساحة , ومدوا أيديكم فقط وستلامسونها دافئة برائحة خبز ارملة , وما ان يرقص المستحوذون في الساحات , ويقوموا بترتيب حلمنا وجدولته وضغطة في علبة , وما إن نفشل مجدداً حتى نبدأ التصرف بواقعية مدير تسويق , وليس مثقفاً كان لدية مستوى معقول من التطلب العادل , ورؤية وأسباب وجيهة لمنح الناس حياة عادلة من كونها معقولة ومقبولة , وليست مطارحات عن تعذر المثالية . الآن فقط غاندي لم ينتقذ كل فقراء الهند , وهذا النوع من الأدلة التاريخية التي يذكرك بقلة حيلتك إزاء النباهة التي تنبعت من آباط الكريهين . المنطق البسيط ينبهك بهدوء إلى أن هذا ليس ما أردناه.

نشر بصحيفة الأولى العدد 330
الاثنين - 30 يناير 2012


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق