الأربعاء، يناير 30، 2013

الإرهاب الأمريكي


محمود ياسين

حتى مقاتلي القاعدة لهم حقوق وينبغي حمايتهم كمسؤولية دولة هم مواطنوها، وبوسعها محاربتهم في ذات الوقت، لكن لا تتركهم لتصرف الطائرات الأمريكية وللمدى الذي قد تصل إليه أمريكا في الإفلات من قانون دولي قد يحدد ويعرف عمليات الاغتيال هذه. يقال إن اتفاقيات جنيف حددت حقوقاً للمحاربين الذين يتم أسرهم وقتلهم، لكنها لا تتضمن شيئاً عن حقوق مقاتلي الجماعات الأقرب لتصنيف القاعدة، وأمريكا بدرجة ما تمنح نفسها الحق في تعريف القاعدة كتنظيم إرهابي أعلن الحرب عليها ويمكنها بالتالي محاربته على النحو الملائم لها، وهي قد منحت نفسها كل هذه المساحة العنفية في اليمن وحدها، ذلك أن أوباما اعتذر العام ٢٠٠٩ لباكستان بعد إعلان باكستان رفضها الرسمي اغتيال مواطنيها أثناء استهداف القاعدة.

 اعتذر الأمريكان حتى عن أخطائهم في أفغانستان، بينما قتل الأبرياء في المعجلة ولم يحدث شيء ولم تكلف الولايات المتحدة نفسها عناء دبلوماسياً، والى الآن تتجول الصواريخ الأمريكية في بلادنا وبيدها تصريح مفتوح لانتقاء أي هدف دون الرجوع لأحد غير الطائرات المزودة ببرنامج أمني يعمل خارج البنتاجون ضمن محاولة لتجنيب المؤسسة الرسمية الأمريكية أي التزام قانوني، أو أخلاقي تجاه قوانينها الداخلية أو القانون الدولي بعد قيامها بالمهمات القذرة.

لا أحد يجد نفسه ملزماً بترضية سيادتنا الوطنية كدولة، وكأننا مكان غير معترف بأهليته لتمثيل فكرة سيادية يجب أن تحترم.

سنوضح مجدداً أن عمليات القاعدة جرائم غير قابلة للبحث، غير أن لا أحد في هذا العالم يعطي الحق لأي جهة القيام بعمليات اغتيال خارج القانون، ليس الأمر هنا في إدانة الأخطاء التقنية للطيارات الأشبه حد وصف تقرير للأمم المتحدة بالعاب البليستيشن، وألعاب البليستيشن هذه من أجل التوضيح هي كما أظن ألعاب الفيديو القتالية المبهرة، ويقصد التقرير الأممي أن الولايات المتحدة تمارس عمليات الاغتيال هذه بمزاج من يلعب بطائرات الفيديو.

المسألة هذه التي نتابعها بحياد أثناء نقل الفضائيات لصور الجثث اليمنية المتفحمة لعناصر القاعدة أو للأبرياء الذين سقطوا نتيجة خطأ تقني هي الآن موضع جدل أمريكي حقوقي واستنكار من المنظمات الدولية.

لا أحد في العالم المتحضر الحقوقي يجرؤ على تجريد إنسان، أي إنسان من حقه في محاكمة عادلة أياً تكن جريمته. وأمريكا لا هي تتصرف مع عناصر القاعدة على أنهم جناة لهم الحق في محامين ولا هي تعاملهم كجيش محارب يتمتع مقاتلوه بالحقوق المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف، وكل الذي لديها هو التصريح بالقتل الممنوح لها من السلطات اليمنية. أي شخص يقوم يجادل هنا ويقول لاتَنْسَ العملية الانتحارية في السبعين أو يستعرض جرائم القاعدة ليدافع عن الحق الأمريكي في الاغتيال أو يبرره، فذلك سيفصح عن بعض الغباء والتجديف وفقدان الأهلية الذهنية والنفسية تجاه فكرة العدالة أولاً، العدالة التي تمنح أي إنسان الحق في تعريف جريمته ومنحه محامياً ومحاكمة وعقاباً منصوصاً عليه، وثانياً سيكشف أي تحجج بجرائم القاعدة للقبول بالاغتيالات هذه انكشافنا الوطني وافتقارنا للولاء وأهلية الدفاع عن السيادة، ناهيك عن تسويغ الإرهاب الأمريكي وهو يحوم في سمائنا مثل نسر أتوماتيكي أصم سينقض في أي لحظة، وقد يدفع أي سائق سيارة خارج من مأرب أو قريب من مدينة رداع حياته وحياة عائلته نتيجة لخطأ تقني بدأ يتكرر. وهكذا يجب أن ندرك أن أناساً كثيرين يعيشون حالة من الرعب في مداخل وضواحي بعض المدن وفي الطرقات الرئيسة أو الفرعية إلى قراهم مترقبين انقضاضاً من الجو في أي لحظة. هذا هو الإرهاب الناشئ على عاتق استباحة كل الوسائل في محاربة أمريكا للإرهاب، وأظن فكرة الوقوع تحت هول إرهاب دولة هو أكثر ترويعاً من إرهاب جماعة أو تنظيم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق