محمود ياسين
غالباً ما تحصل الشعوب التي تخرج للتغيير على ضمانات من نوع ما؛ دستورية، في أغلب الأحوال، تعمل هذه النصوص كضمانة لعدم تكرار ذات الأخطاء أو الجرائم، كما هو حال تسمية ما يقوم به الأقوياء في اليمن، الذين تتجاوز أفعالهم صفة الخطأ إلى الجريمة.
المهم
أنه لم يترتب على الثورة أي ضابط دستوري وضامن لعدم تكرار تجاوزات يمنية هي أصلاً تجاوزات
لا يمكن لأي نص دستوري منعها.. ذلك أن الممارسات الكارثية تعتمد على الطباع البدائية
في الاحتيال، وعلى التواطؤ بين مراكز القوى، وتعتمد أيضاً على افتقار هذا الشعب لأداة
مراقبة.
صحيح
أن ما يصل إلينا عن نهب المال العام بشهية مفتوحة، وكأن زمن ما بعد صالح تحول إلى غنيمة
مفتوحة وغير مضمونة الزمن، فأصبح الأقوياء يتزاحمون على التقاط ما يمكنهم، وتكديسه،
وبسرعة من لا يدري ما الذي ستفضي إليه الأيام..
هكذا
شيء قريب من حالة (أن هذا لن يدوم)، ويمكنك تسميتها بالفرصة التي يهتبلها أناس لا يلتزمون
ببناء دولة، بقدر التزامهم باهتبال فرصة.
وحين
تكون وضعية الدولة مفتوحة على كل الاحتمالات، يصبح الجميع غير مسؤول عن تجذير وضعه
في دولة مستقبلية هو جزء منها وأحد رجالها.. على أساس أن التفاؤل باستقرار مستقبلي
سيعمل على تحميلهم مسؤولية الحفاظ، ولو بالحدود الدنيا، على دولة ستبقى لهم، وتمثل
مستقبلهم. لكن الحال أن الغالبية يتصرفون مع شيء ميئوس منه؛ إما خارب (وشل لك ما لفيت)،
أو أنه لن يدوم على المدى الطويل، وأصبحت فكرة الدولة بلا أب.
أسمع
كل الذي من شأنه دفعي للارتياح من أن أولاد الرئيس هادي مثلاً لا يسعون ولا يهتمون
بأية درجة لتقديم صورة جيدة للناس، وإقامة مستوى من الثقة مع الجماهير، ذلك أنهم يشعرون
أن المسألة فرصة سنتين لا أكثر، وليسوا ملزمين حتى بتوخي الحذر.
وهذا
مروع حقاً حينما تنتقل السلطة من رجل كان يمارس الخطأ ولا يتوخى الحذر الكامل في دولة
كان يعتقدها حقه وملكه.. ما بالك بمن لا تربطه بها لا علاقة الامتلاك البدائي الاستحواذي
المرفوض حتى ولو ترتب على ذلك الامتلاك بعض الحرص، وحمايتها من الانهيار الكامل، على
غرار علاقة الرئيس السابق بفكرة الدولة. امتلاك وحرص في حدود ما يضمن البقاء وعلى حافة
الهاوية، يبقيها ليبقى معها.
أما
المجموعة الجديدة فحالة من الهواجس المبطنة تربط بينهم، وتشكل حالة من تجمع الفرقاء
الذين تحولوا من أصل سلطوي واحد ليحكموا على دوافع متعددة هم ملزمون فيها بتجذير قوتهم
ونفوذهم في البلد وفي السلطة وليس في فكرة الدولة.
نخضع
لعملية تمزيق فكرة الدولة وتبديدها على هيئة حصص نفوذ، ويبقى المركز في الرئاسة متوجساً
وغير ضامن لما بعد السنتين. وتصوروا كيف تكون وضعيتنا مستقبلاً وقد تم فتح الباب على
مصراعيه لكل الأطماع ضمن حالة من التواطؤ بين مجاميع تتعرف إلى مخاوف بعضها وتتفهمها.
أفكر
في المشترك والإصلاح تحديداً، وأقول أيجدر بهم التنبه لخطورة الأمر، وأجدهم منهمكين
في خطيئة المحاصصة واهتبال فرص الزمن الجديد.
إن عدم
توخي الحذر والتفريق بين تركة الرئيس السابق والدولة، سيحيل فكرة الدولة إلى غنيمة
بين يدي مجاميع لا يراقبها ميثاق فاعل وجامع، وفي غفلة من شعب لا أداة له ليضمن حوافز
خروجه للتغيير.
والدولة
التي كانت ملكاً لفرد لن تعود ملكيتها ومسؤوليتها للشعب، ولكن سيتم تفريقها كحصص نفوذ
وغنائم بين مجاميع متنافرة يربطها فقط اتفاق ضمني على الاستباحة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق