الأحد، يونيو 16، 2013

كيف حالك يا محافظ؟


محمود ياسين

أنا الآن في إب، لا شيء من ذلك الصراع بين الإنسان وذاكرة المكان. لا أحاول استعادة إب السينما والسلطة والروائي. لقد تغيرنا جميعاً، أنا وإب وشارع العدين والموترات والسينما أيضاً تغيرت، لكن إب محتفظة بكسلها وإظهار اللااهتمام، ولا تريد أن تشبه تعز بأية طريقة.. إب لم تعد تلقي الدعابات السياسية اللاذعة، وهي فقط تتمطى بعد الثورة لا تدري ما الذي حدث بالضبط، وهي تلاحظ صهر الرئيس السابق لا يزال يتجول باسمه وصفته كاملة، محافظاً مستريحاً من تعب الرأس، ومن إثبات أي شيء، فهو ليس ملزماً بالتبرؤ من النظام السابق، ذلك أنه في ما يبدو يعرف أنه لا يوجد نظام لاحق يستحق أن يغازله الحجري، لذلك يتعامل مع إب بنفس المزاج، وكأن شيئاً لم يكن، غير أن المفاجأة أن بعض إب قد تغير قليلاً، ذلك أن الحجري تعرض لموقف محرج مع ما تبقى من روح إب الثورية، حيث ترسبت الثورة في سوق الدجاج، حيث فشل الحجري في إخماد حريق السوق، وحضر بكامل قيافته ليتذوق على أيدي سالخي الدجاج، كل الذي نجا منه أيام الثورة.

لقد أبقى الحجري على علاقة من الدماثة وحسن النية كرجل طيب لم يقتل الثوار، وذهب إلى السوق بهذا الاطمئنان، فرجموه بأقدام الدجاج، وكان موقفاً مربكاً بحق، ذلك أنه عندما تكون محافظاً بكل قيافتك، فليس من اللائق أن تتعرض للرمي، وأن يعلق على كتفك شيء من غضب سوق مدينة لطالما عاملتك بتهذيب، تقديراً لحسن نواياك، وتقديراً أيضاً لجذرك الإسلامي الذي منحك غطاءً ما.

صادفته في سلالم مبنى المحافظة، وأنا أبحث هناك عن صديق كان ثورياً، ولم يشعر بعد ذلك بخيبة أمل ثورية، ويواصل حياته وكأنه لم يحلم في ساحة خليج الحرية، ولم يهتف، ولم يتعرق، ولم يبت ليلة واحدة في الخيمة.. هكذا هي إب، تدعم دائماً، وتواصل حياتها بمزاج منطقة الجاءة، حيث يصرخ في وجهك أي شخص تطالبه بإظهار الجدية تجاه أمر ما، فيقول لك صارخاً: "منه، منه"، اكسر الميم وشدد النون بكسره، وتحلّ بمزاج من يترفق بنفسه تجاه الخيبات، لتلامس روح "مِنِّه، مِنِّه" التي تعني دع المقادير تجري في أعنتها، وتعني "ألا تضغط عليّ"، وتعني "قليل، قليل"، وتعني أيضاً مقولة عادل دماج التاريخية "لا تحلق بيش". هذا الصديق مثله مثل إب، لا تريد أن تحلق بالأمور، أو تتعنت في اشتراط معيار وحالة واقعية متطلبة تمنح الرضا الكامل.

هذا الصديق الذي كنت أبحث عنه في مبنى المحافظة، وصادفت القاضي الحجري المحافظ، يشبه سائق بابور من نوع "الزنوة"؛ بابور يستمر في طريقه أيام السبعينيات، وقد نفد الزيت تقريباً، أو اختلط بالبترول، وحينما تنكسر "الصبرة" يتقبل البابور أي قضيب معدني، ويستمر في صعود النقيل.. صديقي يشبه هذا السائق، وليس المحافظ.. والحياة في إب تشبه ذلك البابور الذي ينبغي علينا تحديد ماركته "OM"، مستبعدين الاسم الذي أطلقه عليه السائقون تقديراً لمشاعر حياة إب.

المهم أنني صرخت في سلالم المحافظة "كيف حالك يا محافظ؟"، هكذا.. يا محافظ، مع العلم أنني لم أتعمد بصيغة "يا محافظ"، التقليل من احترام رأس السلطة المحلية، صباح اليوم التالي لتعرضه لثورة سوق الدجاج، وفشله في إخماد حريقه المتواضع، وذهب للسوق مصطحباً "وايت" هالكاً، وعليه ماطور عطلان، فكيف نطلب من القاضي ابن القاضي، إخماد حريق إب الأمني، ونحن نلمح في ممرات المحافظة، قبل مصادفتنا للقاضي في السلم، نلمح تجوال رمز لإب ينادونه بالشيخ "عقيل فاضل"، ويبدو من الجمع المرافق له، ومن إيماءاته، أنه الوكيل الوحيد للمحافظة من بين عشرات الوكلاء.

وإذن، لا تزال السلطة بإب تتجول تحت مسمى قاضي وشيخ، هما وريثا السلالة التي بقيت تحدد مصير إب، وتحكمها من أيام بيت حميد الدين.. أنا أعني فكرة القاضي والشيخ، بينما تبحث إب في الظهيرة عن الكيف.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق