السبت، ديسمبر 28، 2013

لم نكن مخطئين


محمود ياسين

قد نكون عدوانيين منفعلين مؤخرا، ذلك أن أحدنا يفقد حس الهدوء ومنطق الحجة بالحجة، بينما تتجول وثيقة بن عمر وكأننا شعب الإنكا الذي حظي بمغامر أوروبي مهووس بحضارة الإنكا، ويعرف كيف أن التاريخ اختاره للحظة زمنية فارقة ينقذ فيها شعبا تقديرا لحضارته المنقرضة.

أشعر بأصابع الدول في الوثيقة أكثر من أصابع اليمنيين الباحثة عن نسيج دولة، ويأتي خبر عن الإرادة التي صاغت الوثيقة باعتبارها إرادة دولية حاولت الحفاظ على مصالحها وتلبية جملة إرادات محلية متباينة لا تفضي في الأخير للاستجابة لإرادة الشعب.

لديهم محاججات بالغة الحذاقة، تدور كلها حول حق الجنوبيين، الذي أفضت حمايته لمنطق الفيدرالية بصورتها هذه. أنا أتحدث عن مثقفين يمنيين في العبارات الأخيرة، وأنا واحد من الذين كونوا حالة تقدير مع القارئ الجنوبي النهم للمقولات الإنسانية ومرافعات العدالة، وبودي لو أبقي على ولعهم بما أكتبه، غير أن الأمر عندي مرتبط بحاجتي الشخصية جدا للاستيقاظ في كيان اسمه اليمن، وطن أعرفه، ولا يمكن لنا التخلي عن وجوده ككيان لتلبية حاجة المظلوم الجنوبي للعدالة. وأسأل كثيرا وبجهد صادق وعاطفي وحقوقي: كيف يمكن منحهم تلك العدالة، وأن نبقى معا في ذات الوقت؟ وبودي لو أسأل أيضا: كيف حدث التحول النفسي العنيف في الوجدان الجنوبي بهذه السرعة، وهم الذين خرجوا يوم جمعة الكرامة يهتفون في شوارع عدن "بالروح بالدم نفديك يا صنعاء"، لكن كراهيتهم لمراكز القوى ورمزياتها الممثلة بالقفز إلى خيمة الثورة، قد تحولت مؤخرا لحالة كراهية جماعية لكل ما هو شمالي.

يتداول بعضنا اليومين الأخيرين مقولة أن الـ6 أقاليم تفكيك، والإقليمين فك ارتباط، وكلاهما كارثي بالنسبة لبلد يترنح ليس فقط تحت قبضات مراكز القوى فحسب، لكن مضافا لذلك علته الأصيلة، حيث انكشف على زمن ما بعد صالح ليواجه جملة نزعات أمست على قدر من المشروعية تحت غطاء التعددية الجديدة وانتقال فكرة حوار الجماعات والنزعات إلى هذه الوثيقة المستجيبة لفقدان السيطرة بالدرجة الأولى.

يبدو ياسين الآن كأنه وحيد في صنعاء بين مراكز قوى وتحالف 94، ولا يود أحدنا الاصطفاف جوار هذه القوى، ولا نريد ربطها ذهنيا بفكرة الوحدة، ناهيك عن تجول هاجس إمكانية اغتيال ياسين والتحريض عليه، وما شابه، ليدخل ما هو شخصي في إذكاء عاطفة عامة عليها الإذعان للإقليمين حتى لا تتهم برضوخها لمراكز القوى وتحالف 94.

لن نسمح بالاقتراب من الدكتور، ولن نذعن لهذا الحل الذي يبشر بأنه هو الطريقة الوحيدة لعزل مراكز القوى.

ما يعرفه بعضنا الآن هو أن تكوينات المشترك تجرب باسترخاء مع غياب قوة ثالثة كان يفترض بالثورة الزج بها كفاعل جديد ومحدد إضافي لخيارات النجاة، وليس المستقبل.

إنه لمن المؤلم حقا أننا بعد صالح ننشد النجاة فقط، مع أننا ادعينا أن ثورتنا ضده هي النجاة، وإذا بنا كمن أقدم على فعل أكبر منه، فلقد تحولت المساحة بعد صالح ليس لفرصة تحول وتشييد دولة جديدة يحكمها القانون، ويدفعها التحديث، منهمكة هذه الدولة في رعاية المواطنة المتساوية.. لقد كانت فرصة لمعالجة تشوهات دولة صالح، لكنها تحولت لإمكانية تفكيك الدولة، وقد يئسنا من تعافيها، لطالما أظهرنا احتراما لرموز المشترك، وأمسينا الآن عاجزين عن رفض شرورهم، وكأنهم الآن لا يزالون تلك المعارضة الشريفة لعلي عبدالله صالح، وتحظى رموزها بتلك الرمزية النضالية الرومانسية، وعلينا بالتالي الالتزام بالكتابة على أساس هذا الوهم.

هم الآن من يحدد مصير البلد وفقا لمقترح مهجن من جملة إرادات تستجيب لاحتقان مجاميع وبقايا نخب، ومعهم الرئيس الراعي الرسمي لهذه المجازفة البغيضة.

أيا تكن النتائج الكارثية المترتبة على خروجنا، وحلمنا والخيام و"الشعب يريد إسقاط النظام"..

أيا تكن المخاطر الآن، لا يمكنني الإحساس لوهلة أن الفتى الذي سقط شهيدا في جمعة الكرامة، كان مخطئا، وأن قاتله على الحق.

كان الإمام أحمد أفضل أخلاقيا من هادي عيسى، لكن لا يمكن أن يكون زمن الإمام أفضل من زمن الفظاعات الثورية.

هو حلم راودنا، فخرجنا وهتفنا، وتعرفنا لإرادة التغيير، ووقعنا في الأشراك، لكننا حلمنا، ولا يمكننا الآن ونحن في قلب الخطر، أن نندم.

في زمن القوى والفيدرالية وتفكك الدولة، لا يسعنا تقمص ذنب الحلم الذي لم يكتمل.


أيا يكن ما يحدث الآن، لا يسعنا التساؤل: هل كنا مخطئين؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق