الأحد، يناير 19، 2014

إما مظلوماً أو ظالماً


محمود ياسين

يأتي المساء بلاداً أنت فيها تبحث عن موقف وطني وأنت بلا وطن منذ أصل الحكاية.

يحدث أن نخبر أنفسنا تعريفات إنسانية لفكرة الوطن، على أنه المكان الذي يراك ويسع وجودك، ويمنحك ذلك المستوى من حس الانتماء، وأن الوطن يحدد لك الجزء اللائق وعلى مقاسك.

كنا أيام علي عبدالله صالح نتجول في مساءات صنعاء بحس ذلك المضيع الذي أضاعه الوطن، ونحن ندرك ونتعلم ونراكم اليقين بأنه ليس لنا بدولته كرامة ولا فرصة، حيث لم يكن على أحدنا الالتياع على الوطن الجاحد، بقدر ما علينا الخوف لأجل أشيائنا الصغيرة المضيعة، والتي توشك بقيتها أن تضيع.

والآن تبادلنا الأدوار والمواقع نحن وهذا الوطن، وأمسى علينا الخوف أن نضيعه في أيام ارتباكه وضعفه، وكأنه عاد إلينا بكل متاعبه وأمراضه، وقد أمسى بلا وجهة، وقد كان حكرا كله على مجموعة تستخدمه وتبقيه كيانا ولو كان يخصها، وكأنه الآن -وتلك لعنتنا الوطنية- أمسى مسؤولية عامة عندما وجد نفسه بلا محتكر وحيد أو قوة واحدة، ليتجول معنا بكامل انقساماته النفسية، وأنت لا تدري هل تلملم انقسام روحك أم انقسام وطنك الذي تدرك أنه لن يتردد لوهلة في أن يدير لك ظهره يوما.

الحكاية اجترار لذات المعارك من جانبنا نحن أبناء المغتربين والفلاحين وصغار الموظفين، نتشارك وهذا الوطن بعاطفتنا، ونمنحه دفء العاطفة، ومسؤوليتها لحظات شروده، ونبقى في ولائم يقظته خارجا مناضلين حزانى مغدورين، وهكذا لأننا لم نتمكن إلى الآن من الحصول على معركتنا الطبقية، ليختارنا هذا الوطن باسترخاء وقد تعب من العائل الوحيد الحارس والواهب لحصص بقية الأقوياء من حوله.

الجنوب يمتحنك كل ليلة أخلاقيا، وهو يصرخ بكراهيتك، ويتألم من قذيفة، أو يطلق رصاصة، ويبقيك بين حالتين يعيشهما كل ليلة؛ إما مظلوما أو ظالما، وعليك تحديد مكان أخلاقي في وضعية بالغة التشوش والقسوة.

قد يلزمك بعض الجنوبيين أن تحب كراهيتهم لك، في حين يطلب إليك البعض كراهية أنين مظلوم ينوي أن يظلمك.

على الإنسان الاسترشاد بضميره، ومحاولة الإدراك، ليس لينجو الوطن فحسب، ولكن على الأقل حتى لا يجاري أحدنا هذه الهستيريا، ويدعها تجتذبه لدوامتها ومزاجها المتحمس للرعونة.


سنفكر يوما في مهجر لائق بأيامنا الأخيرة، ولكن ليس الآن، لكنه خيار من لم يعد بوسعهم مبادلة الصراخ والاصطفافات المسوغة واللامسوغة. هو حظ عاثر في هذه البلاد، لم نختره، ولكن هكذا حدث الأمر. ولقد حاول بعضنا كثيرا بالحلم وبالنزاهة وبالحماسة وبالعقلانية، التواجد اللائق والكافي لمبادلة الوطن حبا وبعض الدفء، لكن تبدو القذائف والخرائط الصغيرة عازمة بإصرار على كشف ظهرك لبرد عالم لم ينظر إليك يوما باهتمام.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق