السبت، مارس 01، 2014

اليمني


محمود ياسين

أفكر في أشياء كثيرة، ويخطر لي عبد ربه مثل هم ملتبس، السياسة ألا تعول على أخلاق أحد أو درجة تحليه بالمسؤولية، وربما عليك فقط البحث في الممكنات.

ربما لا أحد ينتظر من هادي أن يكون نسخة من نهرو، لكنه لا يقوم الآن حتى بالممكن.

أتخاطر مع الناس في وطني، وأخبرهم شفاهة أن اليمنيين أروع الناس في هذه المنطقة العربية، غير أن حظهم عاثر، ولم يحصلوا على قيادة جيدة. قلت هذا للراكبين إلى جواري من يريم، وقد انتعشوا بفكرة إعفائهم من الإيجار، ناهيك عن أنني كنت أشتري الماء لي ولهم، وقد تساءل الراكب الأول: كيف لو تكون بلادنا هكذا، ونحترم بعض، لكن خسارة إحنا شعب... لم أدعه يكمل تلك القائمة اليمنية في استعراض العيوب المتداولة عن شخصنا اليمني الذي يجلد ذاته بلا هوادة، ورحت أستعرض وبلكنة شوفينية مفاضلة طويلة مع المصريين، كونهم الأكثر شوفينية في المنطقة، وبسبب أنهم لا يزالون جميعاً يتصرفون مع اليمني بمزاجية مدرس من السبعينيات. أما السوريون فنحن أروع منهم بسبب مقولة "فيصل القاسم" المتهكمة الشهيرة، وما إن سمعوا اسم هذا المذيع حتى انفعلت السيارة بجلبة وطنية نتسابق فيها على إحصاء مثالب السوريين، ومقابل نزاهة اليمني وشهامته الخ الخ.

القبيلي الذي يعمل جندياً في لواء بيريم، وينتمي لمراد، كان استدرك وبموضعية أننا الأعنف مقارنة بكل الشعوب التي أحصينا مثالبها، فأخبره عامل الحفر باليومية، والذي كان في ذروة الانتشاء، أننا عملنا حرباً أهلية في 94، ولم يأكل أي واحد قلب أحد، مثلما فعل السوريون ببعضهم. أما أنا فمن جانبني، فقد ساهمت بمداخلة بشأن فكرة العنف، تدور حول التوتسي والهوتو، وما فعلوه ببعضهم، ونحن نبقى بلا مقابر جماعية، رغم أحداث الاغتيالات والإخفاء القسري.

لا أدري لماذا، وللمرة الأولى، أصل لهذه المرحلة من الحب لناس بلادي، حتى إنني، وفي انسيابية الشمس على اختراق السيارة لآخر قاع جهران، كنت فخوراً حقاً بكوني يمنياً، ولقد تركت لهم جلبتهم الوطنية الشغوفة، ورحت مع نفسي، وبلا عناء، أتلمس جمال الشخصية اليمنية عند نقطة الاختبار الأخلاقي تحديداً في ظروف بالغة السوء. وللدرجة التي وصلت معها لمحاولة تذكر مصادفة وجود "قواد" يمني، فلم أجد البتة.

المفاضلات ذات الصيغة الشعبوية بين نحن وهم، على سبيل الرد، وكشف المتعالي أمام قوادي بلاده وقتلتها ومنافقيها ومزاجها العام، هي شكل من مقاومة حالة أقرب للعنة مورست بشكل أو بآخر ضد الشخصية اليمنية، فيلوذ بعضنا بمقارنات أخلاقية تأتي فكرة "شرف الفقير" كصخرة يحاول اليمني الوقوف عليها، وسط شرق أوسط تداول جملة ترهات بغيضة تقلل من شأننا.

تخطر لي في وضعية كهذه مقولات الحداثة والفن، وكل الصيغ المفترض بها منح الإنسان مجالاً أوسع من ضيق أفق المفاضلات والتهكمات الجغرافية ذات الصلة، محاولاً على سبيل هذا التحديث استحضار شعراء السعودية وفنانيها التشكيليين، وجانبها الأقرب للشراكة الفكرية في مقاومة تخلف الجزيرة العربية إجمالاً. غير أنني أخفق بوصفي ابناً لمغترب قديم، وقريباً من مغتربين كثر الآن، ولو تجولت بذهني في كل أزقة المملكة، لما رأيت غير الكفيل المتعالي، فأنا أرنو جهة المملكة بعيون الاغتراب اليمني جريح الكرامة.


منح الحمدي لهذه الكرامة بلسماً ذات سنة، وانجرح إلى جوار كل مغترب، ورد على الإساءة، فحصلوا على تلك الحميمية التي يصنعها التضامن بين الزعيم وأهل بلاده، ضد الإذلال. ومن هنا يخطر لي عبد ربه كلما تلفت بحثاً عن قوة لليمني تسانده وتقاسمه التهديد والمقاومة، لكنني لا أراه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق