السبت، مارس 01، 2014

العودة إلى القرية


محمود ياسين

كلما تكالبت عليه الأمم، اتصل بخاله يريد نصيب أمه.

هو هكذا، وبمرح، يصف الدائنين وزوجته التي تدخل المطبخ وتخرج طيلة المساء، وتقدم له قوائم متتالية من النواقص، يطلق عليها تحديداً "شر الأمم"، وأحياناً "أم الصبيان"، ويحبها أكثر، ويتصل بخاله.

نصيب أمه إلى الآن غير محدد في أي ركن من البيت القديم الذي ملأه خاله بـ20 جاهل يطلق عليهم صاحبنا "أمة الجن"، ويعتقد أن خاله إنما تجرأ على إنجاب كل هؤلاء، راكناً لسذاجة ابن أخته الذي سيتراجع في النهاية عن طلب نصيب أمه، بدافع الضجر.

اكتشف البارحة في اتصال مطول مع خاله، أن الوالدة تنازلت قبل موتها عن كامل ميراثها، لأخيها، مقابل أن يحج باسمها إلى مكة، وبشرط أن يجلب معه دبة ماء زمزم يسكبها على القبر.

كان مستاء من أمه، ولم يجد لها لقبا متهكما يطلقه عليها، وقد تنازلت دون علمه، غير أن يسميها "أم أربعة وأربعين". حوقل بعد ذلك، واتصل بعمه يسأله ما إن كان بيت الوالد في القرية، لا يزال صالحاً للاستخدام الآدمي، وشرع فوراً في اكتشاف مزايا القرية من مجانية اللبن، والخلاص من الإيجار، إلى صلاة الفجر حاضر، فهو حقا من ذلك النوع من بشر يتعرفون إلى الله عندما ييأسون من أخوالهم ومن أمهاتهم، ومن كل الأمم، بما فيها الأمم المتحدة، فلطالما كان صاحبنا يردد: أحتاج الأمم المتحدة تحل مشاكلي.

اتصلوا من القرية مقدمين له هذه القائمة، ليصلح البيت لاستقباله: 6 خشب، 10 أكياس إسمنت (اشترطوا أن يكون من مصنع البرح)، زجاج 5 نوافذ، صعد، درف للباب، مواسير وجص وشبك، بالإضافة لمبلغ كبير هو نصيب أخته من البيت، فلقد حلفت أنه لن يدخل إلا بعد الدفع.

حتى العودة متعذرة بالنسبة لموظف في المالية من أول يوم دوام وهو بلا مال، ولا يدري كيف تتجنبه أموال المالية، وكان أيام الفساد يحصل على ما يتساقط، ولم يتنبه له الفساد، وفي الأيام الأخيرة يطلق على صخر الوجيه "أم المصائب"، ذلك أن عين صخر لم تلحظ غير الفتات الذي كان يلتقطه.

شارك في الثورة دون أن يخفي طموحه بالجلوس بدلاً عن صخر، لكن الذي حدث أن صخراً هو من جلس على صدره، فبدأ يحتضر.

قرر مؤخراً التوقف عن التدخين من باب تحسين الحال، إضافة لقرار بالغ الواقعية، وهو إخراج أبنائه الـ3 من الدراسة، ودفعهم للتهرب إلى السعودية عبر الحدود.


يردد: كانوا بالبلاد ينتظروني أرجع من دراستي في روسيا، وزير يحك صدره، ويقول: المال والبنون زينة الحياة الدنيا، ويتساءل بصدق عن ماهية الباقيات الصالحات.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق