السبت، مارس 01، 2014

أكمل قطعة الشوكلاتا


محمود ياسين

لدينا هذه المقاومة بالانتشاء والتفكير في مكاسب وهمية وغراميات ليست مضحكة تماما.

ربما يكون من الجيد اقتناء أطقم جديدة بنطلونات وقمصان فاتحة، والخراب يأتي عندما يأتي، ولا نكون مقهورين تماما عندما يصل.

في عرس ريان الشيباني، كان الفتيان يرقصون، فابتهجت، وخفت حدة المنحدر الذي أحسه مؤخرا يجرفنا جميعا كبلد، وتراجعت أصوات الانفجارات التي بقيت تدوي من البارحة، وقد زاحمتها إيقاعات استجلبتها من فيلم يرقص فيه شبان فرنسا كمقاومة مرحة للاحتلال النازي. لطالما ألقيت بهذه النصيحة لكل عالق في حفرة قذرة "فكر في الزهور".

تنهكنا هذه الترنيمة الأشبه بلحن جنائزي غير مهيب البتة، انفجارات وجماعات ودم وعبوات تنتظر دورها حينما نمر، فلتنفجر إذن ونحن نمر مبتهجين وأنيقين بشعور مبللة بنداوة الصابون وماء الصباحات.

إن واحداً من أكثر أشكال مقاومة الموت فاعلية، هي الحياة الجذلة الضاجة بالعرق والتعالي على ملصقات التوعد بالتشظي الوطني، فلنجابه هذا التشظي إذن بشخصياتنا الملمومة بعطر حياة ترفض أن تقبع صامتة في انتظار الموت القادم من الجهات.

أعرف صديقا كلما تفاقمت مشاكله بدا حليقا ومستمزجا للصباحات والمواعيد والنكات، ذلك أن معرفة الدرب غير السير عليه، ويبدو لي التوقع الآن أسوأ من الوقوع، فعش يا صديقي، وأخبر هواجسك همسا أنك متواجد، وستتعامل معها أولا بأول، وكأنك تقول لكل التهديدات: "دعيني أكمل قطعة الشوكلاتا هذه مع شربة ماء لا باردة جدا ولا فاترة، وسنتحدث لاحقا يا تهديدات العمر المولع بوضعك في ريقي منذ وعيت الوجود. لا أدعو هنا للاستسلام بعيون مغمضة، ولكن للمقاومة بالوجود المتخلي عن الرعب، وليس عن الحياة.

هذا نحن، وهذا شكل مقاومتنا المغاير لما يفترض به مقاومة هادي الذي لم يعد رئيسي أنا وحدي، والمفترض به المقاومة بإرادة فولاذية تبدى لي مؤخرا أنه لم يمتلك هذه الإرادة أيام فتوته، وعقب تخرجه من الكلية، فكيف يمتلكها الآن على وهن سبعينيات العمر، وأوهام يده الفارغة من السلاح، والمكتظة بالنقود وقرارات التعيين..!


الأمر هنا في قسوة لهاث الإحباط والتوقع الواهن، لكن الوجود المنتشي سيمنحك بعدها الطاقة الكافية لفعل شيء، ولو التجمهر أمام مدخل هادي لبيته، وإخبار الأحزاب والحوثيين والمعتاشين على الدعم الخارجي واقتيات الجثث، أننا لن ندعهم يقذفوننا في الظلام بصمت، وأن هناك ما سندافع به عن حياة ربما ليست على مقاس رضانا، لكننا نحتاجها بشدة، وسنذود عنها، ونوسعها، ونعيد تفصيلها، ونخلط الأمور، ونتواجد على النحو القابل لتسميته وجودا إنسانيا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق