الاثنين، أبريل 07، 2014

روائي يمني


محمود ياسين

روايتي تتجول بين البحرين وأربيل، وأنا بين صنعاء وإب أعاني تقلصات وضجراً ما، ولا أملك نسخة، ولطالما فكرت في لحظة ملامسة الغلاف، وأن أشم رائحة الورق المائل للصفرة تنبعث من ثنايا الرواية، وكأنني أتشمم روائح ندى وقلق وسهر أيامي، إذ تنبعث نكهة طالب ثانوي يراه العالم من ياقة فانلته نص كم، إذ لم نكن أيامها تعرفنا لتعريف "التي شيرت"، وكانت لدي فانلة واحدة التقطتها بوجل قروي تسلل لزحمة أبناء إب القديمة، إلى معرض حلقوم، ومزاج حلقوم وبنطلوناته التي كانت مزيجاً من الأناقة المنتقاة التي يقدمها لاعب كان يقدم العروض المبهرة مدافعا عن مرمى نادي شعب إب، ليقدم للفتيان بعد اعتزاله عرضا بديلا متأنقا يشبه تصريحا بأنه يمكن للاعبين تجنب النهايات الحزينة.

الرواية تبدو لي من هنا أنيقة ومغوية بألوان غلافها ذاك، وكأنها قطعة شوكولاتا ضخمة لطالما حلمت أن أجدها صدفة في الحوبان، منسية في غفلة من أحد مصانع هائل سعيد.

إنها حقا سرد لما كان بالنسبة لي الأقاصي.

هي المسافة التي بقيت حتى الآن مرتبكا كيف أنني لم أقطعها في حياتي.

الرواية هناك، واسمي أعلى الغلاف مستريحا، بينما أعاني أنا تململا لوضعياتي المستبدلة لجسد غير منسجم مع مكان ليس بمقاسه.

أكرر أيضا حكاية البروفيسور الروسي الذي كان شهيرا في قصة لتشيخوف، فغادر سانت بطرسبورج لمدينة صغيرة، يبحث فيها عن خطيب ابنته وقد هجرها لأسباب مبهمة، وكان عليه عوضا عن أي شيء القيام بواجبه كأب، ووصل المدينة، ومكث في الغرفة، منهكا ومشوشا، لا يدري أين يبحث عن خطيب ابنته هذا.

وجد الصحيفة على باب غرفته كخدمة تقدم للنزلاء، وكان اسمه يتوهج في صفحتها الأولى عن وصول البروفيسور الشهير للمدينة، واستعدادات دوائرها لفعاليات احتفائية، فاستغرب كيف أن الأسماء وجدت لتحيا بعيدا عن أصحابها، مغمغما لنفسه: ها أنا مرهق ومشوش عاجز في مهمة بحث غريبة عن حبيب مزعوم لابنتي، بينما يتجول اسمي في المدينة كسائح من الدرجة الثانية.

ثم ما معنى أن تكون روائيا أصلا؟ أذكر أنني لطالما تعرضت مثل غيري من الكتاب، للجرف. الجرف بوصفه قوة توجيه من خارج وظيفة الكتابة، عندما وجهتنا السياسة لنكون محللين وأصحاب مواقف متمردة غالبا، وفي البدء كان المسرح وكتابات "الجمهورية الثقافية"... الخ هذه المروية التي لا أفتأ أكررها، وهذه هي المرة الأخيرة، واعتبروها وعداً، لن أعيد عليكم مرثية أننا كنا نكتب في الأدب والفن، وتحولنا إلى ساسة، لكن ما معنى أن تكون روائيا أثناء ما عليك القلق من كل شيء يحدث بعد صالح بوصفه تقويضا لليمن كفكرة؟

إذ إن ثمن استبعاده من الكرسي يبدو الآن فادحا للغاية، وكأننا قايضناه بوطن، وعلينا الآن التنبه لهذه الهاوية الوطنية والحلم الروائي معا.


تتقمصني السياسة مثل تهديد متفاقم لولعي بهويتي كروائي يكتب في رواية "ليلة نيويورك"، وكان تلقى قبل شهر خبر صدور روايته الأولى "تبادل الهزء". أتحدث الآن عني بضمير الغائب قائلا: صدور روايته قبل شهر، وكأنني آخر، وكيان مغاير لما أعيشه الآن، إذ إنني يومها فتحت الثلاجة بمزاج شخص روائي ناقص وجوديا، إذ تتكون صورة الروائي الذي تلقى خبرا كهذا، وهو بوضعية غير وضعيتي، ولا يمكن أن يرتدي فانلة بيضاء نص كم، ويفتح الثلاجة ليشرب ما تبقى من زجاجة دلسي أحمر. ليس بالضرورة أن يثمل الروائي احتفالا بخبر صدور روايته، غير أن الدلسي الأحمر يصلح لأن يشربه أحدنا وقد تلقى خبرا بصرف الرواتب مثلا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق