الأحد، يونيو 13، 2010

دولة!! من أين يأتي بها الرئيس؟

محمود ياسين
sayfye@gmail.com

نحاول هذه المرة- مجدداً- تفسير الأحداث من خلال طبع الرئيس ورؤيته للأمور، فهو يستحضر- أثناء تفكيره في صعدة –صورة رأس الجبل ومقاتلين يقودهم ورثة حكم، وبالتالي فالاتفاق الأخير على إنهاء الحرب يتردد في أعماق الرئيس على أنه "جيد يسلم جيد".

بينما يفكر علي عبدالله صالح في الفُوَط والأقدام السوداء أثناء تفكيره في الجنوب. هذا الغضب الأعزل وقوة المظلومين العزلاء تربكه، لا يفهمهما.

ويشكل الغضب الجنوب المتفاقم حالة ضغط لم يختبرها مجال القلق في ذهنه. بوده لو تتماسك البلاد وأن لا يرتبط اسمه بانهيار الوحدة التي تمثل في ذهنه منجزه الأهم.. لكن كيف؟

ذلك أنه مع الجنوب يستحضر كل الأشياء غير الأساسية في المشكلة.. يستحضر تشفي البيض بعودته إلى تمثيل الجنوب، وكأنه ثأر شخصي. يقول البيض فيه كل ليلة: ها قد عدت يا شريكي القديم.. يستحضر خطورة العطاس ومثابرته على الحفر المؤذي، وربما يكون العطاس على اتصال بالسعودية. يستحضر الولايات المتحدة وبريطانيا ومصالح الكبار، ومستوى تهديد معضلة الجنوب لتلك المصالح أو تعزيزها.

ويغيب مستوى الألم الحقيقي، وما الذي يضر الناس في الجنوب، أو ما الذي جعلهم متضررين إلى هذه الدرجة –يغيب عن وعي الفعل السياسي برمته- لدى الرئيس ولدى الآخرين أيضاً.

لقد تم تصويغ البلاد في العقود الأخيرة على نمط ومستوى قلق وأولويات بمقياس واحد، وملائم لمجموعة نخب كلها تدافع تهديداً وجودياً.. والرئيس بصلاحياته الواسعة تمكن من جر الجميع إلى هذا الأسلوب، إلى أن وصل الأمر إلى مرحلة أن حاجة البلاد الداخلية والمجتمع الدولي تحتاج أداةً مغايرة للأسلوب القديم، والرئيس_ وهو غاضب إلى هذه الدرجة_ إنما يدافع عن أسلوبه السياسي الذي هو شخصيته.. المجتمع الدولي وكثيرون في الداخل سيقبلون في المرحلة القادمة بعلي عبدالله صالح، ولكن بدون أسلوبه، فهل بوسع الرئيس التخلي عن شخصيته لأجل مستقبل بلا ضمانات؟ إنه يريد أن يعرف مكان كل شيء ويتصدى لكل مشكلة، وأن يشعر على الدوام أن الأمور تحت السيطرة، وأن هناك من يكرهه أمر مقبول، لكن لا أحد يشكك في قدرته على إبقاء الأمور عند مستوى معين.

يريد إقناع السعودية وإقناع أمريكا، وترتيب مدى فعل القوات المسلحة، وتحديد إلى أي مدى يمكن لحميد الأحمر أن يكون خطراً. وما هو بالضبط الضامن لبقاء من حوله في دار الرئاسة أعداء لبعضهم وهو صديقهم الوحيد.

مسألة ضمانات تحولت مع مرور الوقت إلى العمل السياسي مع مجموعة حاقدين، ودخل في المسألة مجموعة أشياء كالوفاء والنكران والحسد والضغينة. ولطالما خبر القدرة على تطييب النفوس، وكان الناس يغادرون دار الرئاسة وقد اكتشفوا شهامة الرئيس وسعة صدره – نظام أخلاقي في طريقة دعائية سياسية فاعلة. ومع مرور الوقت تعلم مزايا شجاعة المصارحة والمصالحة، ليس مع المشكلات الحقيقية، ولكن مع المتحدثين باسم تلك المشكلات.

مبادرة وارتجال وإظهار سعة صدر، وكان يتصل بأصغر مدير ناحية وينام.. استيقظ الرئيس مؤخراً على وضع متفاقم لا ينفع معه سعة صدر ولا عفو عام ولا ارتجال، ناهيك عن تلاشي قدرته على التجلي في الأزمات كما كان يفعل دائماً.

إن تحولات البلد وما قام الرئيس بترحيله من معضلات- بقوة طبعه- انجلى أخيراً، وظهر مرة واحدة، وجرّ معه أقوياء آخرين من خارج البلد: قوى شرسة متضررة تريد ضمانات لها علاقة بإصلاحات.. وتفصح بعضها بدون أي مواربة عن شكلها العميق في الأسلوب القديم، أيام كان الجميع راكنين على أن ما دام الرئيس اليمني هادئاً فكل شيء هادئ.

الجنوبيون والمانحون ومرتبطو المصالح المباشرون، وكل المتضررين اليمنيين ومؤتمر لندن ومؤتمر الرياض والدكتور عبدالكريم يريدون جميعاً من الرئيس دولة هذه الأيام –دولة بسرعة.. كلنا نريد ذلك.. ونضغط بهذا الاتجاه، حتى بعض الذين عاشوا وتواجدوا في الماضي على حساب "سعة صدر الرئيس وأصالة الرئيس" أصبحوا اليوم بحاجة لدولة، بما في ذلك أحد النافذين من سنحان سمعت مؤخراً أنه يريد من الرئيس دولة.. وهو بالفعل ما يريده الجميع وما ينقصنا الآن في هذه الأيام؟
دولة!! من أين يأتي بها الرئيس؟

صحيفة المصدر
27 فبراير 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق