الثلاثاء، أغسطس 10، 2010

وحدها غرفة القائد تعرف أسباب الحرب

محمود ياسين
sayfye@gmail.com

يقول الرئيس إن بوسعه تجنيد آلاف بديلة للجنود الذين يسقطون في صعدة، وكأن هؤلاء الجند بلا زوجات ولا أولاد، وكأنهم جنود آليون يتم إنتاجهم على عجل في الورشة الفنية التابعة للفرقة. تصور مقتل رجل واحد! تصور ذلك الثقب في جبهته وحاول أن تنام بعدها، وقد سمعت نشيج زوجة الجندي، وأنك قبل مغادرة مكان الجند قد لمحت الأقدام السوداء لأطفال الجندي!

يغادر الآلاف في حرب غير مفهومة، لا يفهمها الذهن العام ولا يدري أين يضعها تحديداً في خانة مشاعره الوطنية.. حربٌ بلا أهداف معلنة ولا مجرم.

لقد تعلم الوجدان اليمني مع مرور الوقت تقبل أكثر التهديدات حضوراً بنوع من التعايش مع المخاطر المبهمة ضمن لا مبالاة اليأس.

يمكن لحدث مثل صعدة تجوّل في حياتنا هكذا وكأنه سائح لديه عادات غريبة ويضمر لنا شراً من النوع الذي لا يمكن أخذه على محمل الجد.

لا يمكن لشيء كهذا أن يحدث إلا في حياة اليائسين المنفيين والمقصيين تماماً عن القدرة على الحب والكراهية. لذلك لا يتساءل الذهن العام ما إن كانت شعبية الرئيس قد زادت أو تأثرت بأي درجة بسبب حرب صعدة.

لم يعد اليمني يكترث لفكرة علاقته النفسية بالنظام السياسي. نظام ليس كريهاً وليس محبوباً، وهو نظام غير قمعي وغير عادل. لا يكره الشعب سنحان ولا يرى خلاصه في الضالع.

لقد وصلنا إلى المرحلة التي يمارس فيها الناس حياتهم مثل كائنات غابة تسير وراء نزعاتها البدائية وتقتنص أسباب البقاء ضمن حياة خطرة، لا يرى مخاطرها إلا مراقب الغابة من خارج ظروفها. فهي لا تملك غير هذه الحياة.

ذلك أن الموت يحدث في كل المدن، وفكرة مقتل رجل فكرة عادية إلى حدٍ ما، وقد اختبرها أغلب اليمنيين ومروا على جثث في أطراف الأسواق، وفرزات السيارات، يسهرون ليلتها، ثم ينسون في الصباح.

هذه الفكرة تتناقض مع ما كنت قد ذهبت إليه في أول المقالة، وعلى مدى عقود اضمحل في الوجدان ألق الاستشهاد والوطن بسبب من الفقر الذي أعاد ترتيب الأولويات، وبسبب من ذوبان كل أطراف الحروب السابقة في حالة تراص غير معلن.

لم تختزن الذاكرة اليمنية مجرم حرب واحداً تم استخراجه من كل تلك الحروب، وكأنها جميعاً حدثت بين أطراف كلها على حق، وسقط القتلى كثيراً وكانوا يتحولون إلى شهداء في ماضي أيام الثورة وما بعدها. غير أنهم لم يعودوا كذلك مع مرور الوقت، وأصبح أمر تعليق صورهم على زجاج السيارات مجرد جهد رسمي ونوع من مراعاة البروتوكول.

كانت الذهنية اليمنية على مدى قرون تمنح الرجل وحده حق ومسؤولية الحفاظ على حياته، وقامت الثورة واحتشد اليمنيون على كيفية تبرير تلك الحياة بطريقة تضمن حجم المشاركة في توزيع موارد الثورة ومآثرها. ونسمع حكايات عن الإمام أحمد وكيف أنه في خارج مناطق القبائل كان يمثل دولة حماية حياة المواطن من القتل وليس من الانتهاك التام، الذي تركه للمشائخ المحليين وللعكفي. كان فيما سمعنا يحمي الدم تاركاً الكرامة مسألة شخصية. مؤخراً لا يأخذ اليمني خارج محيط مدينة عدن ومدينة المكلا فكرة حماية الدولة لدم الإنسان على محمل الجد، لذلك لا توجد عندنا أمهات جند يردن أسباباً وجيهة للحرب. ولا يوجد محاربون قدامى يتساءلون عن غطاء أخلاقي.

هذه الحالة هي ما جعلت من حرب صعدة حرباً غير مفهومة، لا مبالاة اليائس مكنت حرب صعدة من ممارسة غموضها بهذا الاسترخاء.

يقول الشاعر محمد اللوزي:
وحدها غرفة القائد
تعرف أسباب الحرب

المصدر أونلاين
2010-08-09

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق