الثلاثاء، ديسمبر 21، 2010

في وثائق ويكيليكس لرئيسنا مكانته

محمود ياسين
sayfye@gmail.com

لماذا يتصرف الرئيس هكذا؟ لماذا يتمسك بتلقائية البدوي الصادق المكشوف في الحب والكراهية.

لقد كشفت وثائق ويكيليكس أن عدائية شديدة قد تكونت بين الرئيس والدبلوماسية؛ دبلوماسية البرتوكول والمراعاة حتى أثناء طباخة مكائد الدهاء السياسي، ناهيك عن جملة معلومات أساسية كان ينبغي أن تجد طريقتها للتعبير في أسلوب عمل الرئيس.

لكنه وبسبب من كراهيته الشخصية للحاذقين السياسيين في الداخل والخارج، صار يتصرف بما يشبه الرد عليهم والتعالي على أسلوبهم المتحاذق، من خلال هذه الطريقة في كشف الأمور مع أمريكا ومع المملكة.

إنه يؤكد حاجة الأجهزة الأمنية لطائرات وزوارق بطريقة تفصح عن وعي بالغ البساطة حد الضرر. فهو يلح على الأمريكيين بشأن طائرات الهليوكابتر لأجل استخدامها ضد القاعدة، هكذا بدون التفاف على أي من مقولات الأمن الأمريكي.

ثم إنه يعتقد أن أمريكا شيخ العالم، وما عليها سوى توجيه إيطاليا وهولندا واليابان وألمانيا والسعودية والإمارات بتقديم زورقين من كل دولة لأجل خفر السواحل اليمني.

لا أدري ما الرابط بين الدول الست بشأن اليمن وأمنه البحري؟ أم أن الرئيس فقط يقول كل ما يخطر له ويمر بذهنه لحظتها. ولو خطرت له دولة الفاتيكان لربما أضافها للقائمة. ثم إن برلسكوني رئيس وزراء إيطاليا بخيل كما سمعت، ولا يوجد ما يشير من قريب أو بعيد لامتلاكه أي زوارق.

إن مسألة التلقائية الشديدة، وبداءة وعي فهم أمريكا والعالم تفصح عن حالة عناد فطري ضد حاجة المؤسسة الرئاسية لمفهوم البرتوكول.

ويكيليكس قدمت دبلوماسيي الولايات المتحدة والعالم كما كنا نتخيل، وكشفت عوالمهم السفلية التي تكشف حقائق السياسة ولا أخلاقيتها. لكنها لا تكشف أن ثمة رجلاً في هذا العالم المفضوح الآن يتآمر بهذه الطريقة التي يتآمر بها رئيسنا. لقد تمكن الرئيس من هزيمة كل محاولات السياسة المعارضة له، وإفراغها من محتواها بهذه الطريقة في اللعب؛ الطريقة الارتجالية المربكة لأعتى الخصوم.

إنه بعدم إخفائه أي شيء يجرد خصومه من أسلحتهم، ولو كان يوماً قد اعتمد فكرة «سري للغاية» في ملفات الخارجية اليمنية أو أجهزة الأمن؛ لكان بذلك قد جعل منها دبلوماسية لها رجالها وفقاً للمعايير العالمية المتداولة بشأن الخبرة والبرتوكول، ما يعني عدم ضمان ولائهم. ذلك أن اعتماد نمط الفعل السياسي المتخصص والمقتضب بحاجة لرجال ليسوا في حوزة الرئيس.

ولطالما كان أقربهم إلى هذا المستوى المتخصص قد انتهى إلى سوء فهم مع الرئيس.. أسماء ليس بالضرورة أن نوردها، وقد تسربت من خلال أحاديث بعضهم فيما بعد أشياء تؤكد السبب ذاته في الخلاف، وهو الثقة والولاء وفقاً لمعايير رئاسة تكاد تكون مستحيلة، ثم إن أي تذاكٍ وادعاء معرفة وعمق وملاسة سياسية تستفز الرئيس المندفع دائماً، الذي يعتبر أي ممارسة للذكاء السياسي نوعاً من المفاخرة عليه شخصياً، والتلميح إلى اعتماد هذا السياسي على إمكاناته الذاتية أكثر من اعتماده على رضا وغضب الرئيس.

تتسرب أشياء من هذا النوع كلما مر أحدهم بدار الرئاسة، ولو كان الدكتور رشاد العليمي، كما كشفت إحدى وثائق ويكيليكس قد قال للأمريكان بدلاً من «لقد ضحكت على البرلمان»، «لدينا برلمان علينا احترام قراراته ورقابته» لكان الرئيس ساعتها قد احتار في شخصية العليمي وتوجهاته الجادة.

هو يفهم هذا النوع من الرجال ويثق بهم. وما كشفته وثائق ويكيليكس ليس قصوراً في شخصية الرئيس، أو أنه ذلك النموذج القريب من شخصية الديكتاتور اللاتيني الذي تجسده رؤية الدبلوماسية الأمريكية لحطام أمريكا اللاتينية.
لكنه هذا الرجل التقليدي المستميت في الدفاع عن طبعه وطريقته، المستميت في إبقاء زمنه قيد الفعل.

لربما تفوه أكثر من رئيس بأخطر مما تفوه به علي عبدالله صالح، غير أنهم يقولون تلك الأشياء عن تهريب الويسكي مثلاً، لأحد المقربين من حاشيتهم الشخصية، وليس لرئيس دولة أخرى.

هنا يأخذ الفارق في دلالات التسريب قوة حضوره بين سياسي يمني يضع الثمن قبل ما سيقدمه للأمريكان، وآخر لبناني يحاول استخدام القناة الدبلوماسية الأمريكية لحث إسرائيل على جعل حزب الله يدفع الثمن. هذا المثال ليس واضحاً لي، لكن كل الرؤساء يريدون من أمريكا ثمناً لتعاونهم، غير أن رئيسنا يطلب الثمن «نقود يابسة».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق