الأحد، مارس 20، 2011

يجب أن تغرق سفينة النظام التقليدي وليس الرئيس وحده

محمود ياسين
sayfye@gmail.com

إذا استمر الوضع على هذه الشاكلة.. فإنه سيتم نقل كل رجال النظام من سفينة الرئيس إلى سفينة الثورة- ليغرق الرئيس وحده-وتبدأ السفينة رحلتها مثقلة بكل عيوب وأخطاء الماضي.
ما يحدث هو عملية إعادة إنتاج للوضع المفترض أن يصبح وضعاً سابقاً.
وكأننا بصدد نقل السلطة من جناح إلى آخر داخل النظام نفسه..
ويتم ترجمة هذا من خلال تماسك القوى التقليدية وتعبيرها عن نفسها عبر أخبار شريط قناة الجزيرة، وعبر سهيل أيضاً وتستأثر الأخيرة بنوع من الارتجال في تمثيل الثقافة الثورية ودوافعها من خلال نشر رسائل عاجلة من شباب الثورة، لا علاقة لها بالتحديث بقدر ما هي إفصاح عن حماسة فقط من نوع "شباب الثورة" لـ"علي عبدالله صالح" عليك تحديد قيمة فاتورة الرحيل ونحن مستعدون لدفعها..
بدلاً من تكريس مصطلحات ومقاربات المجموعات الواعية المسالمة الباحثة عن التغيير بنزاهة وعقلانية، مع تقديري الشديد لنشاط قناة سهيل وتغطيتها للفعاليات بجهد بالغ.. غير أن غياباً ملحوظاً لترجمة حقيقية لثقافة التغيير دفعها للارتجال على هذا النحو المخل.
لقد غاب صوت الليبرالية من أمام بوابة جامعة صنعاء.. حيث ثقافة العدالة والإعلاء من قيم احترام الحياة وحرية الفرد والتبشير بالتنويع، وتلك اللكنة الذكية المفترض بها أن تفصح عن جيل جديد لديه رؤية لمستقبل اليمن الحديث.
رموز القوى التقليدية متماسكون ونشطون وصوتهم يحدد لهجة الثورة بما يشبه الاصطفاف ضد رجل وليس ضد حالة خاطئة.
أين صوت عبدالباري طاهر وعلوي السقاف وماجد المذحجي ووميض شاكر؟؟ وبدلاً من هذه الأسماء ومقولات التحديث والانتقال والمستقبل برز الصوت القبلي كصانع للثورة وحام لها، بدلاً من المشاركة فيها وكأن كل أخطاء ثورة 62م تعيد نفسها حرفياً.
لدينا هذا الحلم وفرصة تأريخية، وتركة هائلة من القوى التقليدية التي بقيت مرنة للغاية، ومارست وجودها في بيئة مائعة وفي زحمة أللاهويّة وبقيت متعذرة على التصنيف كجزء من النظام السياسي- أو نقيض له.
وأغلب هذه القوى سواءً جماعات أو أفراداً لم تصل إلى مرحلة مفارقة مع نظام الرئيس علي عبدالله صالح إلا مؤخراً..
وأريد من هذا كله أن أحذر شباب ساحة التغيير من تعويم الأهداف ومن هذه الزحمة في ساحة التغيير التي لا تفصح عن التنوع بقدر ما تفصح عن اللاانسجام.
وحين لا يكون من هدف جماعي غير رحيل علي عبدالله صالح- فذلك غير كاف البتة.. وينطوي على مخاطر شديدة.
ولا ينبغي لمقولات التحديث وضمان الحريات والحقوق المدنية أن تتوارى لحساب الحرص على الوحدة العضوية للساحة.
ثم إن الاستشهاد بحد ذاته ليس هدفاً ولسنا مجموعة انتحارية، إذ ينبغي أن يتجلى هدف الحياة قبل أي شيء.
ومن خلال الساعات الطويلة التي أصغيت فيها لميكرفون الساحة أمام جامعة صنعاء- وجدت غضباً صارخاً لجملة أصوات متداخلة ومتباينة قاسمها المشترك الوحيد هو الغضب.. السعي لترحيل الرئيس وفقاً للنموذج المصري الذي راقبنا منه أكثر من أي شيء آخر سيناريو خطابات الرئيس مبارك وتلكؤه انتهاءً بالرحيل باعتباره ذروة المشهد الملهم وبقيت أرواحنا متمسكة بهذا المشهد في حالة (انشداه) كامل دون التفات لبقية تفاصيل سيناريو الثورة وأدبياتها وطبيعة توجهات واهتمامات الشخصيات التي ارتبطت بها.
وبالعودة إلى مطالب شباب ثورة 25يناير سنجد أنها سعي واعٍ لتحديث مصر ونقلها إلى بلد ديمقراطي ضمن فهم واستيعاب لهوية البلد ومدى قدرتها على الفعل.
ولقد دارت القصة كلها في أجواء تبشيرية صرفة- إذ تابعت الأغلبية المصرية الصامتة ثوار ميدان التحرير وهم يدافعون عن الحياة، ويتحدثون بشكل متجانس عن فكرة الحقوق الدستورية ويمارسون أنشطة تحديثية فيها نظافة وتفويت فرص عنف.
لقد تمكن شباب الفيس بوك من طرح وجهة نظرهم في قلب مطالب الثورة مفصحين عن شخصية جيل مصر الحديثة.
لا أكاد أسمع صوتاً لمستقبلنا أمام جامعة صنعاء- ولا أقول إن صوت الماضي المنظم يتآمر على شباب ثورة اليمن.. غير أن غياب صوتهم وحداثتهم ولهجتهم الحقوقية وقياداتهم التي ينبغي أن تبرز من قلب الحدث- أفسحت بغيابها المجال لهذه الجلبة الغاضبة؛ في خيمة الأكاديميين تدور نقاشات ومحاضرات وكذلك في خيمة للصحفيين غير أن لا شيء من هذا يجد طريقه لأن يكون لهجة للساحة وهويتها الباحثة أصلاً عن إنجاز متحضر له علاقة بالحداثة والعلم.
بودي لو أشترك في عملية اعتذار جماعية أمام جامعة صنعاء، تقف فيه الساحة كلها معتذرة لأحد الفتيان (السود) ضمن عملية أسف ورد اعتبار تأريخي مفصح عن هدف إسقاط التمييز.
أريد قصيدة تفعيلية إلى جوار الزامل وعرض مسرحي تجريبي واندفاع جماعي نحو هدف الحصول على ضمانات دستورية لإنجاز حياة سياسية ديمقراطية بحق.
في حال نجحت الثورة وهي ستنجح- ليس لدينا إلى الآن إلا ضمانة الفعل الثوري نفسه- وضمانة أننا الآن نعرف كيف نقاوم الخطأ من خلال الاعتصام في الساحات.
وإذا استمر أداء الثورة على هذا النحو فإن الانتخابات البرلمانية ستبقى حكراً على شخصيات الماضي وشروطه الاجتماعية مع إضافة كونهم على علاقة طيبة بالثورة- مع أن نجاح الثورة يفترض أن يفضي إلى صعود جيل كامل لقيادة الفعل العام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق