السبت، يوليو 07، 2012

الآن: من يصدق الجزيرة؟


محمود ياسين


لم أعد أصدق ما تقوله قناة الجزيرة. عندما يكذب أحدهم لصالحك تفرح وتشعر بالامتنان لكنك لا تعود تصدقه فيما بعد.

كنت ألمح ظلال الاستخبارات القطرية في تغطيات الجزيرة لثورة بلادنا وأتواطأ كأي شرق أوسطي مهزوز ومضطر على الدوام للتحالفات القذرة.

وكان نظام صالح يصرخ من بعض تلك الأكاذيب كأي كذاب كبير تعرض لمن هو أكذب منه وأكثر فتكاً.

لن أعيد هنا حكاية الراعي الكذاب، فنظام صالح قد اندثر ولم يتبقّ منه غير تهمة صالحة للخسة المستخدمة بين الثوار ضد بعضهم.

كانت الجزيرة أيقونة في زمن الربيع العربي وستبقى مصاحبة للربيع الثوري في الذاكرة وسيبقى الناس يستشعرون قوة الخبر الأول الذي أسس للرغبة الجماعية في أن يتكرر؛ ذلك الخبر الذي أذاعته الجزيرة بصوت ليلى الشيخلي وهي تطبق كفيها جذلاً وتقول:ـ أكدت المصادر بأن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي قد غادر الأراضي التونسية. فاحتدمنا جميعاً نريد أن نصل بالسيدة ليلى لتذيع لنا ذات الخبر عن رئيسنا.

والجزيرة لم تراجع ذاتها بشأن اللحظة وانجرفت بكل قوة منطقها التبريري الذي منحها الحق الأخلاقي في استخدام الأكاذيب لأهداف أسمى، أو هكذا بررت إدارة القناة ومحرروها خطيئتهم الإعلامية مدّعين أنهم لا يلمحون رجال الاستخبارات القطرية، ليس في أروقة القناة وإنما في المحصلات النهائية لحاجة قطر الساذجة الصغيرة لشيء من العظمة المتاحة، ناهيك عن حاجتها أثناء تغطية ثورة اليمن لتلقين السعودية درساً في علاقة الكبير والصغير والصراع بينهما.

نوع من استعراض القوة ضد الاستعلاء السعودي يفضي لمكسب معنوي قطري أكثر منه تواجداً منافساً تماماً للسعودية في اليمن.

في أكثر من مشاركة لي تورطت في القليل من مجاراة هيبة الجزيرة ودورها الثوري، وكنت أحس باستعلاء المذيع وإعطاء نفسه الحق في محاولة توجيهي لقول ما يريدونه هم.

كانت شهور حماسة وكنا مخلصين للحدث وناقمين على نظام صالح ولم نتوخ الحذر بشأن النزاهة وكيف أن المظلوم لا يجدر به استخدام أداة الظالم ابتداءً بالعنف وانتهاءً بالأكاذيب.

كان علينا مقاومة أكاذيب الجزيرة. وهذه ليست مرثية لنظام صالح على أنه تعرض لمظلمة تاريخية. أنا أرثي الذات الثورية التي منحت نفسها الحق الأخلاقي في استخدام الأكاذيب وتخلت عن كبريائها ضمن واحدة من أكثر التواطؤات الجماعية في تاريخ الإعلام وأكثرها مدعاة للتقزز.

 حددت الجزيرة استعراضات مدهشة يتم تكرارها فيما يشبه الإغواء على غرار "هرمنا- هرمنا" وكنت ألاحظ أكثر من شاب يحاول استرضاء معايير الجزيرة بعرض مشابه وترديد جملة قد تحمله إلى حيث وصل صاحب "هرمنا" وهذا ليس خطأً إعلامياً ولا كذباً.

أنا هنا بصدد مثال عن قوة الإعلام وقسوته وقدرته في الانفعالات التاريخية على الإغواء ودمغ الأحداث النبيلة بمحفزات الاستعراض والنجومية. وهذا هو الجانب الآخر من دور الجزيرة السلبي وهي تضع الناس أمام إغواء النجومية فيفقدون يقظتهم ولا يعودون بحاجة للدقة والموضوعية أثناء استماتتهم على الإبهار.

من يمكنه في هذا الجزء إدانة الإعلام أو تبرئته وهو يورط الناس في فخ الإبهار. هذه معضلة عالمية وليست خطيئة ابتكرتها الجزيرة.

لكن الخطيئة في الأكاذيب، ناهيك عن تصفية حسابات إقليمية. المؤلم في هذا كله أن الجزيرة كانت حذرة في تونس ومصر وما إن وصلت اليمن حتى وجدت نفسها تكذب باسترخاء تام ضمن حالة من اللا اكتراث، وكأننا قطيع منفعل غير متعلم وليس متطلباً إعلامياً، وقامت بتسويق الأكاذيب لأجل يمنيين مساكين ووعيهم أبسط من أن يدقق في شيء، وسيقبل بأي شيء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق