الأربعاء، فبراير 22، 2012

أين ذهب اليسار؟

محمود ياسين
sayfye@gmail.com

مجدداً.. أين ذهب اليسار- اليسارالنخبة، اليسار الكتب، المقولات، وتلك الطريقة في صناعة وله الأدمغة- أيام كان اليساري يعني إدراك مآلات الجدلية التاريخية؛ حين كنا نختبربفضول طفولي ملمس الديالكتيك، والأرق الذهني للمثقف الملتزم..
تبقت أسماء دور النشر. قالو إنها كانت صنيعة اليسار. مثل بقية الذكريات التي يبدو أنها مآل اليسار اليمني.
سيبحث مهتم ما عن حفر تاريخي وتحديد مصطلحات في هذه المادة التي لن تزعم أي احترافية في تناول زمن ليس بالضرورة أن يتم التعامل معه، إما بدقه أقرب إلى دراسة أوترك الموضوع، من قبيل تحاشي إطلاق الأحكام التي تفتقر الى منهج.
من يحتاج منهجاً ليتساءل عن شيئ كان شهيراً جداً. وتبقى منه بعض أصدقاء من ذلك النوع الذي يسعفك أثناء حديثك بتصويت المصطلحات وتحديد المقاربات. يسعفك بالدقة.
إنهم (البقية من دماغ اليسار) على درجة من الدقة، وهم أقرب إلى ذلك الجيل المتبقي بالكاد من عائلة لم ينقلب عليها أحد. غيرأنها لم تعد عائلة.
لايمكن اعتبار مضغ القات كل يوم تحت صورة عمر الجاوي في مقيل التجمع يساراً. أو اجابة قاطعة عن تساؤلنا السابق بما معناه هذا هو اليسار.
ولايمكن الاكتفاء بماجد المذحجي على انه اليسار..
حتى أن ماجداً في ما يخص اليسارية، أشبه بسليل عائلة لم يعد يربطه بها غير اللقب وقراءة الفاتحة على أضرحة رموز العائله. ماجد أكثر من مجرد تقدمي؛ هو ليبرالي يظهر امتعاضاً دؤوباً إزاء مقولات اليقين السياسي وحلوله، ولم يسمعه أحد يذكر من قريب او من بعيد مصطلحاً ديالكتيتيا من أي نوع..
غير أن يمتعض أيضاً من أي محاولة للمزاليسار.

علوي السقاف لايزال يسارياً هو آلاخر، وهو أكثر النماذج اليسارية المتبقبة قرباً من النموذج الأصلي. لحية ونحافة وكتب، ولا أكثر من أبطال روايات علوي اليساريين، الذين منحوه حكايا تمرد مستمر، وحكايا شرف.
علوي انثروبولوجي للغاية، ويجعلني أتساءل دائماً عن فكرة الغفران لأخطاء العائلة؛ فهو يتحدث عن تاريخ العائلة بحميمية.. متحاشياً الأخطاء الكبيرة وفكرة أن يرتبط اليسار بأي عنف. وكأن العائلة اليساريه كلها كانت تروتسكي وعمر الجاوي ومارسيل خليفة.
حضور علوي يسارياً وبهذه الطريقة؛ يرغمك على القبول بربط اليسار دائماً بالنزاهة.. وكأنه شيوعي لبناني يدرس الفنون الجميلة في اليمن.
إن أي محاولة للتساؤل عن مصير اليسار هي أقرب إلى المجازفة.
من كونك تتذكر فوراً منصور هائل المستعد دائماً لتعمد سوء الفهم، وهو واحد من أسماء كثيرة عليك ان تتذكرها قبل الخوض في أي مثاقفة عن يسار يشتغل ماتبقى منه في الثقافه. صحفيون وأساتذة جامعة، وحزبيون لهم علاقة بالغة الخصوصية بالكتابة.
والأمرهنا أقرب إلى حالة إرهاب تعتمد هذه الكثرة من الأسماء الثقافيه المستعدة دائماً للمجابهة.
هذا ليس أمراً عادياً البته.. لقد كان صوتهم عالياً وكان بوسع البلد تخطي الكثير من انماط التفكير الخاطئ إذا ما أصغت باهتمام لأهل الحجرية وخلاصاتهم النابهة.
لقد زجّوا أيامها بالكثير من المصطلحات، والعبارات المفترض بها عبارات تغيير ملهمة. غير ان ذهنية الفرز المناطقي تمكنت من جرهم الى مربع آخر حيث المظلوم الذكي المستبعد. وتورط بعضهم في تفسير الحالة التاريخية القائمة ليس وفقاً لمقاربات التفكير اليساري، بقدر ما هو عملية شرح ثقافي مبهر لحكايا استحواذ بدائية محسوبة على منطقة "الآخر". وبالتالي تم احتساب عبدالله عبد العالم ذهنياً على يسار تم إقحامه اصلاً في عملية الفرز تلك .
وكأن عبد العالم كان يقود فيلق اليسار في مرحلة بالغة الأهمية، ليس من تاريخ بلادنا وإنما من تاريخ صراع المناطق.
أنا أتحدث عن كلمة (الذهن الجمعي ) وما يلتقطه من الأحداث المهمة.
إذ لم يقم مثقف يساري بإعلان عبدالعالم قائداً من نوع ما. غير ان ردة فعل اليسار وأداءاته تركت هذا الانطباع ..
لم أصادف يوماً شيوعياً يمنياً. ليس بالضرورة ان يكون لديه لحية وبدلة رمادية مهترئة، وليس بالضرورة أن يتجول بشخصية غلاف منهك لكتاب بالغ العمق .
غير أنني لم أصادف شيوعياً يمنياً. وها أنا أحاجج مسبقاً من رد قد أسمعه من أحدهم على ان الموجود ليس بالضرورة ان يصادفك او تصادفه بحال.

لكن وجود الشيوعي أصلاً كان ليجد طريقته في التعبير ضمن سياق تاريخ الحياة السياسية الثقافية اليمنية، ولو كإسم يتم ترديده أثناء سرد حكايا أساتذة الجامعات، وذلك النوع من آثار المثقفين المنشقين ذوي الميول المناهضة كلية لوجود الميتافيزيقا في حياتنا.
أذكر أن الإسلاميين اثناء استعراض مخاوفهم من شيوعية الجنوب في مرحلة ما، لم يذكرو شيوعياً واحداً..
وكأن الخمر هو الشيوعي الأشهر في جنوب اليمن أيامها .. حتى أن أحداً لم يذكر باذيب في حملته المناهضة للشيوعية. وفي حمّى ما بعد الوحدة كان عمر الجاوي اليساري الوحيد الذي يمكن التعرف عليه في المعركة.
فيما كان الذهن العام يضع كل مناضلى خلايا الحزب الإشتراكي في قائمة أقرب إلى عتاة المحاربين القدامى؛ ولم تقم صحف الفترة الإنتقالية أثناء مجابهاتها باستخدام المصطلحات اطلاقاً. بما في ذلك أزمة النص الدستوري المهم عن مدى تمتع الإسلام بالمستوى في التشريع وتمثيله. لم تضع أساساً معقولاً على أهميتها في نقل الصراع من مربعات المناطقية إلى الصراع على أفكار.
والمهم أنه ما من رائحة يسار في تلك المرحلة. رغم أنه من الأعمال اليسارية الأصيلة (رفض العقوبات البشعة). إلا أن الليبرالية أكثر قدرة على تمثيل تلك الفكرة.

عمر الجاوي أكثر من أي يساري آخر، جلب معه المصطلحات إلى مناظرة تلفزيونية، وكانت محاججاته أكبر من قدرة الحلقة على استيعاب ما تبقى من روح اليسار.
أعود إلى ما تبقى وهذه الطريقة التي تمارسها القوى المهمة في الإندماج السهل حد الدهشة.
لم يقبل اليساريون الإندماج في المجتمع مؤخراً بدافع من تجاوز تهمة مجموعة منشقة مثلاً، وأنا لا أعني هذا، ما أعنيه هو إندماجهم السهل في "اللا فكر". إنخراطهم على أكثر من مستوى في استبعاد التنظير اليساري كلية.
ولم يكن هذا نتاج نضج وتطور طبيعي أقرب إلى أسلوب الإشتراكيين الفرنسيين مثلاً. لكنه التخلي الطوعي بدافع الكسل. ناهيك عن ذاكرة الملاحقات الأمنية ايام محمد خميس وخسارة الكثيرين منهم لوظيفته، ضمن عملية إقصاء دفعت بأغلبهم إلى الصمت، ولعب دور الأب الذكي الذي خبر الحياة أكثر مما ينبغي، ويتجول في بيته بحرص من يريد تربية أولاده والسير بهم بعيداً عن طريق الفخ.. ومن ثم التجول في الحياة العامة بمشية من بدأ يختبر أمراض عمر الستينات، وبالتالي شخصية من لم يعد يأبه.

20 فبراير 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق