محمود ياسين
دعو له ان يحضّر مراسم تسليم السلطة، فلم يعد لديه غير هذا كقائد خسر كل شيء وكقبيلي تمثل له فكرة التسليم الطوعي وجوده الرجولي، وكي يشعر أيضا انه تمكن من الهمس في أذن اعدائه "لم تهزموني تماما". لا أريد الآن مقارنته بزعماء المحاربين في أساطير اليونان واليابانيين الساموراي، لأنه لا يشبههم بقدر ما يشبه اليمني الذي يمكنه المفاوضة على ماء وجهه، مطمئنا لكون الجميع مستعدون للتفاوض بشأن "الوجه والقيمة" فالجميع لدينا يحتاجون في مرحلتهم الأخيرة لهذه القيمة المقبول بها ضمنا. ستظهره الكاميرا يسلم لعبد ربه هادي رمزية السلطة، وسيحرص على تمام نقل التلفزيونات لهذه المراسيم، وليتأكد أيضا في غمرة الصدمات التي تعرض لها أنه نجا حقا من المشهد المريع الذي التصق بجمجمته، وأظنه يعاني من محاولة التخلص من صورة القذافي المدمي المرتاع وصوته وهو يردد: "حرام عليكم". يرن صوت القذافي في دنيا علي عبد الله صالح التي مضى عليها شهور من الخبط في متاهة انهكته تماما. وبقي له هذا تسليم لعبد ربه برضاه ومحاولة استجماع شتات نفسه ليدرك ويصدق انه نجا وانه ليس مبارك ولا معمر وأن بقية من المؤتمر وحلفائه القدامى قد تمنحه تماسك من لا يزال قادرا على تهديد غرمائه ووضع نكهة البارود في مائدة احتفالهم. هذا رجل يفكر ببساطة وقد رضخ ويريد القليل من "الميزة" . بودي لو اتمكن من الوفاء بعهد قطعته وانا اكتب لعلي عبد الله صالح مناشدة ان يدع الشباب يمضون ايامهم بسلام وان يتخلى ويُغلب، وان الرجال تُغلب، والجملة الأخيرة قلت انها قد تصل لانها لهجة القبيلي ومفتاح نفسية عل عبد الله في الأيام الأخيرة، إذ اعتقدت ان جل ما يبقيه على العناد والاستعداد للفتك هو القمر ورفض ان يغلبه علي محسن او الاصلاح وبيت الاحمر، فناشدته ان يُغلب لاجل الفتيان وحياة شعب لطالما منحه النفوذ والتكريم. بالنسبة لوعدي الذي قطعته كان هكذا "تخلى عن السلطة ونحن سندافع عن تاريخك بكل شجاعه"، لكنني لا أدري الآن كيف ادافع عن تاريخه وقد يكون الانصاف هو الدفاع الذي يستحقه مقابل تخليه عن السلطة لاجل نفسه ولاجل الشعب ولاجل انه لم يكن قد بقي لديه ما يمكنه من الاحتفاظ بها عدى تخريب الحلم والحياة وفقا لمبدأ "علي وعلى اعدائي " لكنه تخلى والايام ستقول كلمتها والمهم الان هو ان نظهر روحا ذكية متعالية، دونما حاجة للتهويل من الأمر والصراخ ضد مراسم هي كلما تبقى لرجل منهك يريد ان يموت بكرامته. ان لم يكن هو يونانيا ولم يخرج من ملحمة في مرويات المآثر والأساطير فكونوا انتم ذلك الخلق المتعالي وفهم الأمر على اننا جميعا سنحتاج يوما لمن يعفينا من السقوط المدوي والنهايات المؤسفة. سيمضي أيامه الأخيرة في أبو ظبي متحاشيا أذرع المنظمات الدولية والحقوقيون والحرج من فظائع ماليه قد تكتشف. يجب ان نفهم انه ليس الناجي الوحيد، لقد نجونا جميعا، والآن يتداول المحللون فكرة تميز نموذج الربيع اليمني الذي كان محشوا بالسلاح والأمية، وكأن العالم انتظر العنف ففاجأناه بهذا الانتقال السلس...،، ومحاولة فتح طريق آمن لعلي عبد الله صالح لم يكن خيانة للشهداء بقدر ما كان تجنبا لتقديم شهداء جدد. العملية التاريخية التي قادها فتيان الساحات، من عمر العمقي هشام المسوري وبيت الحقب الذين شاركوا كعائلة، وتوكل كرمان والحوثيين والإخوان الذين خرجوا عن بكرة ابيهم واحرقوا سفنهم، وفؤاد دحابه وحمود الكامل ومثقفي اليسار تلاميذ الجاوي. وفتيان بني ظبيان وارحب ونهم والعصيمات والاسماء التي ستبقى في جدران ساحة اب وتعز وصنعاء، حيث تفاقم الجميع واشتركوا في عملية تاريخيه اخطأ بعضهم في طريقة ممارستها وتعرضوا لنقد لاذع، لدرجة ان احجم حميد الاحمر عن الادلاء بالتصريحات، والعبارات الاخيرة كلها ليست استدراكا ولا اعتذارا لأحد بقدر ما حاولت من خلال سرد الاسماء وكيف أن حميد الاحمر صمت احتراما للتبرم الثوري، انما كان ذلك بهدف محاولة تلمس حافز اننا نجحنا وقمنا بشيء جيد صاحبته اخطاء. واننا والاهم من ذلك قمنا به جميعا ضد رجل واحد تعقل في النهاية ويريد الرحيل بكرامته.
26 فبراير 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق