محمود ياسين
علق أكثر من قارئ على مشاركة في الفيسبوك ذكرت فيها تشبيه العلاقة مع أمريكا على أنها تشبه ممارسة الجنس مع غوريلا! لا يمكنك التوقف وإلا قتلتك الغوريلا.. ذلك أنها لن تكتفي على المدى المنظور.
لا أحد يمارس الجنس مع غوريلا ونحن سنطمئن لهذه الاستحالة، والمثل في كل العالم يتم تداوله عن العلاقات الخطرة، وهل هناك ما هو أكثر خطورة من إقامة علاقة مع أمريكا المتطلبة القلقة من القاعدة والممرات المائية وأمن حلفائها التاريخيين في المنطقة؟
في كل بقعة في هذا العالم ثمة مصلحة لأمريكا وجماعة مناهضه ومعتقدات متطرفة وحلفاء ينبغي حماية أمنهم وعليك القبول بهذه العلاقة الفادحة.
السبب الرئيس لاحتجاج المعلقين على صفحة محمد سعيد الشرعبي في الفيسبوك هو الإشارة للجنس وشناعة الفكرة .. حيث يتصور احدهم غوريلا في وضع غير محتشم ورجل بين أحضانها فيهلع القارئ مستحضرا وجله النفسي من تصوراته الشاذة؟!
هل يصلح هذا كمدخل للخوض في محرمات الكتابة؟
لقد أنجزت دنيا الفن في مجمعات القراءة وهوس الفن في العالم تلك الصدمة الملهمة والتعريفية للإنسان من خلال خمش صناديق المحرمات وبعثرة محتوياتها والاستمرار في الصدم والترويع، لدرجة انتزاع الوحش من أعماق الإنسان والرقص معه ومحاورته عبر سلسلة من الروايات واللوحات. لقد تم جلب اللحظة المخبأة من التاريخ الجنسي واللاهوتي ووضعها على خشبة المسرح.
تلقت تلك اللحظة تصفيقا ولعنات والفن يجرب أكثر ويهتك أكثر، حتى انتهى الكاتب إلى تعرية ذاته أمام العالم، مفصحا عن عالمه السفلي واكثر تجاربه دناءة، ناهيك عن تلك الذكريات المذلة ضمن الخوض في وحشية الحياة. الوحشية التي تحظى بوجلنا والحياء الجماعي، مقترفة الفظائع النفسية اثناء تحاشي القارئ للصدمة.
القارئ الشرق أوسطي يصدمه الجنس واللاهوت وفضح اكاذيب العائلة والحب المتكلف، ناهيك عن هول الكتابة حول ممارسة الجنس مع غوريلا!
انا اكيد من ان كلمة <جنس> اقل توهجا من كلمة <نكاح> التي ذكرها الله في كتابه عارية وساخنة، ومخارج حروفها تكاد تؤجج العملية الجنسية وتحدث لها صوتا ورائحة، ذلك ان لا أحد اكثر ابداعا ولا مقاربة من ابداع الله.
يمكن احالة الأمر كله الى صدمة اللغة وصدمة الصورة لذهن اليمني المفتقر للثقة بتصوراته وهلوساته المنفعلة. يظنها مرضا من نوع ما، ولذلك بقي أمر الفن اعادة سرد لبرتوكول التصور كما هو. الحب غرام وليل، وأرق المحب المحروم، ولم يحدث ان تلقى اليمنى تفسيرا لغرامه على انه افصاح عن هروبه من رائحة جسده النتنة، وهو لن يحتمل بحال ان يقدم الفن تفسيرا لثورته ضد الرئيس على أنها محاولة لقتل الأب والتخلص من لعنة العائلة.
كل الروائع التاريخية من لوحة لرامبرانت الى سيمفونية عزف الشيطان مرورا وانتهاء بنظرية النسبية، انما تواجدت على هذه الصورة المدهشة بسبب اقتفاء مبتكريها لتصوراتهم المنفعلة الرئيوية بلا وجل. ماذا لو جفل انشتاين أمام تصوراته الأولية لنظرية النسبية <فجوه في الزمن>؟
ما شاركت به مجرد مثال متداول عن علاقة بين غوريلا ورجل، غير أنني بصدد صدمة الرؤية وحاجة الانسان لتلقي صدمات عظيمة. نتاج فني وفكري يعري ويقول حقائق ويقدم لانسان الشرق الاوسط ريائه التاريخي هكذا، نابضا ومقرفا إذ قد ينجو الانسان عندما يبدأ التعرف على رائحة جسده.
25 فبراير 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق