محمود ياسين
عندما تحدثت للدكتور ياسين بعد يومين من محاولة اغتياله كان ذلك لأعتذر له عن كوني تأخرت في أن أقول له الحمد لله على السلامة، وإذا به يسرد لي تفاصيل محاولة اغتياله بعناية فائقة, وكيف أن سائقه تعرض للضرب، بعد أن أمضى الدكتور أكثر من ربع ساعة في مجادلات مضنية مع جندي نقطة التفتيش الذي كان مصراً على إنزاله من السيارة, وقال الدكتور انه كان متوتراً وعدوانياً للغاية.
أشار الدكتور في تلك المكالمة لفكرة جوهرية
تلخص تقييمه الشخصي للحادث على انه محاولة اغتيال عندما قال "لو لم يرفع المرافق
بندقية رجل النقطة عالياً لما طاش الرصاص ولاستقر في جسدي".
ولأنني لست صحفيا بما يكفي فلم استغل عدم
تنبيه الدكتور لي في آخر المكالمة فهو لم يقل لي "لا تنشر هذه التفاصيل".
أبقيت الموضوع هكذا مجرد همس مع الأصدقاء
مع أنه وبسبب من ألمه الشديد وإدراكه لخطورة وضعه في صنعاء وتواجده في ساحة القاتل,
فلقد أفصح عن المعلومات بشكل جزئي إذ صرح أول الأمر أن الموضوع أقرب لمشادة, ولم يشر
لكونها محاولة اغتيال ،ثم سرب بعض المعلومات الإضافية انتهاء بالقصة الكاملة لي في
اتصال تلفوني اختلط فيه أسى الدكتور برغبته في أن يعرف الناس الحقيقة إضافة لما أظنه
الود الشديد بيني وبينه, فكان يشكو لصديقه المتأخر عن السؤال عليه، يشكو له غدر القوم.
قبل نهاية المكالمة أخبرني أن ضرب السائق
كان بهدف أن يبدو الاغتيال وكأنه عراك انتهى بإطلاق نار.
كان المفترض بهذا أن يتحول إلى خبر تتناقله
وكالات الأنباء ليلتها, غير أنني اكتفيت بدور الصديق الذي يجدر به إمضاء الليلة في
التفكير بتغيير حراسة الدكتور أو تعزيزها، ورحت احلل بيني وبين نفسي هكذا: أن علي محسن
لم يقصد قتل الدكتور, وإنما أراد إيصال رسالة لكل الأطراف كإصبع تحذير لكل من تسول
له نفسه، هذا رغم أن الدكتور لم يشر من قريب أو بعيد لكون النقطة تابعة للفرقة، لكنني
بقيت هكذا احلل، وأنا هنا لا اتهم علي محسن بشكل رسمي، لكن أين يذهب أحدنا من التحليلات؟
واسأل هنا ماذا لو كانت النقطة تابعة للحرس
الجمهوري؟ كنا سنقيم الدنيا ولا نقعدها، لكن ينبغي للخلق الثوري التحلي بالنزاهة أولاً.
المهم أن الحادث رغم التظاهرات قد مر ببساطة
مع أن الأمر يكشف عن فكرة من يمكنه تحديد مصير البلد بهكذا عمليات، وقد يكون علي محسن
بريئاً إلا انه لم يخبرنا إلى الآن عن تحقيقاته الداخلية وهو قد اعتاد اللا مبالاة
تجاه وساوس الشعب ولا يجد نفسه مضطراً لتبرير شيء كأي قوي يعتمد على هيبته ومعرفة الآخرين
ما الذي يمكن أن يفعله, المهم أن الدكتور غادر صنعاء ولا يسعني وصف هذه المغادرة بكلمة"هرب"مع
انه من حق الإنسان حتى لو كان عظيماً، من حقه أن يهرب بعد أن وضع برنامجاً سياسياً
لمرحلة كهذه ،مضمنا اعتذارين واحداً للجنوب والثاني لصعدة ومضمناً أيضاً كل ما من شأنه
جعل وجود بعض الأقوياء في صنعاء محرجاً للغاية, المفترض بعلي محسن تقديم تفسير مقنع
تماماً لأخطر عملية قامت بها مجموعة من فيلقه العظيم, ثم إن الناس مستوحشون منه ويتبادلون
الحديث في المقايل والاتصالات عن سطوته وقسوته وقوته الضاربة الآن ،ليس بالمدرعات المهلهلة
الباقية في الفرقة وإنما بقبضته الفولاذية حول عنق اليمن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق