الخميس، أكتوبر 25، 2012

المعارضة في حقل ألغام


محمود ياسين

الاستياء يجعل أحدنا يقظاً أو يبقيه متفاقماً يتمكن من التحدث إليكم بلغة التحريض التي تحتاجها المقالة لتصل للناس .

عندما لا يعود بوسعك التخلي عن غضبك وتفاقمك ،فذلك يعني العمل السياسي بأعصاب محترقة.

يبدو أننا نتقدم في العمر والانفعال حتى الإيجابي منه يهلكنا لصالح مجاميع من السياسيين والنافذين المسترخين نوعاً ما, حيث لا قوة ردع تتهددهم غير أصوات الغاضبين المثقفين الحزانى .

أسمع كثيراً أن الاستياء المتداول في الصحافة والمواقع يؤرق الرئيس, ويوتر القيادات الحزبية وهذا جيد إلى حد ما؛ ونحن سنفي بالتزاماتنا تجاه الناس ونبقى نعرض لهم مشاهد لسرقة حياتهم وتفخيخ ما تبقى منها بالفوَضى والعنف, وهذا سيستمر إلى اجل غير مسمى بين الصحافة وأقوياء هذه المرحلة ولست هنا بصدد التراجع عن التبشير بقوة الكلمة المستاءة, وسنحاول تجاهل خيبة الأمل من ردة فعل الناس ونحن نهلك أعصابنا ونعرض أمن عائلاتنا للتهديد اليومي وأرق الاحتمالات لنقدم لهم فضائح الساسة ونقول :"شعبنا سيحصل على رؤية جيدة لعمليات الفساد السياسي من خلال ما نقدمه من معلومات وفظائع "لكنني لا أدري كيف أتأكد شخصياً من مدى تأثير هذه الكتابة ولقد يضعف أحدنا وهو يراقب الصمت العام إزاء انتهاكات مروعة لآدمية الإنسان اليمني ويوشك أن يصرخ "أين الشرف؟"

لا أحد يمن على الناس لكنه يود لو يسمع رجع صوته وأن مجازفاته مجدية.

لا رثاء ولا خيبة أمل، والشعوب لم تستيقظ على فترات زمنية قصيرة ومسترخية .

أخشى أن أفقد قدرتي على الاسترخاء وأنا أقاتل أثناء نومي كل الكيانات الخاطئة واستيقظ منهكا وكأنني قضيت الليلة أنْفُل ثلاث قاطرات سِمِتْ.

كان الحزبيون أيام علي عبد الله صالح يتلقفون ما نكتبه ويساندوننا كقوة ضغط إضافية تحمل ثقلاً كبيراً من ضغط المجابهة ومؤنتها, لكنهم الآن أصبحوا هم السلطة ولم يتكون بديل معارضة منظم .

أراقب نبيل سبيع هكذا وهو يقاوم إنهاكه ويحدق في أفق المقيل بعينين مثقلتين تحوطهما الهالات السوداء وكأنه خلال السنة الأخيرة قد تقدم في العمر عشرين عاماً. لا يدري هل يجابه الساسة أم يرد على سباب فتيانهم في عام كله جلبة وصخب في محيط مثقف يسير في حقل ألغام؟!

لم نقدم الكثير مقارنة بتضحيات الكبار في تاريخنا الذين قضوا أجمل سنين العمر في المعتقلات وانتهوا إلى العزلة, ووحشة التجول الطيفي حول بيوتهم منهكين ووحيدين في بلاد بلا ذاكرة .

وأياً يكن إنهاك سامي غالب وفشل برنامجه النفسي الهادئ الذي حولته أخطاء الأيام الأخيرة إلى حالة من الاحتدام الداخلي لمثقف كبير ونزيه فقد صحيفته وسلامه الداخلي وهو يرى مشروع التحديث يخذله بعد طول انتظار.

لقد فقدنا ميزة المساندة المنظمة للمثقفين في القيام بمعارضة الخطأ الذي كان ملموماً في جهة واحدة مقرها دار الرئاسة في شارع الستين, غير أن هذا الخطأ تفتت إلى كتل تدير البلاد وتتمسك بحقها في أن تعامل كمعارضة ولا يزالون يعتقدون أنفسهم مناضلين شرفاء.

الخطأ الذي كان ملموماً وهدفاً كبيراً سهل التمييز تفتت لمجموعة أخطاء ليست أسهل للمعارض بل أكثر جاهزية لتشويشه وإنهاكه وغير قابلة الآن لحشرها في زاوية عدو الشعب.

لست يائساً بقدر ما هو حديث ونجوى عن قتال الأشباح, وربما أمل بالحصول على مساندة مجاميع جديدة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق