الأحد، أكتوبر 21، 2012

لن تدري صنعاء من القاتل


محمود ياسين

داخلها عشرات المعسكرات وحولها سبع قبائل مسلحة، ويقول لك عاصمة خالية من السلاح.

كنا نتأمل منشورات الاشتراكيين في الأيام الأولى للوحدة "عاصمة خالية من السلاح"، على خلفية عيون فتاة جميلة، ونصغي لجملة ترهات حول الغرض الاشتراكي المختبئ خلف شعار مدني كهذا. سمعنا أشياء من قبيل سعيهم لإفراغ السلاح من أيدي خصومهم، بينما يخبئون سلاحهم في محلات الكوافير. ولا زلت إلى الآن أبحث عن السلاح الاشتراكي كل ما مررت بمحل كوافير، مكتشفا رضوخي الذهني لرواسب الدعاية والدعاية المضادة. ولطالما وقعت أكثر الدعوات المدنية التحديثية في هاوية مكايدات الأطراف، وتفريغ أي نهج سلمي تحديثي من مضمونه، عبر هذا النوع من البحث عن الغرض الفعلي من محاولات الحصول على عاصمة سوية، وليس الحياة في مخزن أسلحة قد ينفجر في أي وقت.

بالنسبة لانفجار مخازن علي محسن البارحة، فقد وقعت الحادثة في هاوية إلقاء اللوم المتبادل والتبرير، ويقوم سياسي كبير بحجم محمد قحطان، بالإدلاء بتصريح غريب حول رغبة سابقة لعلي محسن بإخراج المعسكرات من العاصمة، إلا أن العائلة رفضت. أنا بالطبع أرسلت رسالة تلفونية لأخي الأكبر قحطان، متجاوزا تلك الهيبة التي أكنها للرجل، وأخبرته في غمرة دهشتي إزاء تصريحه، أن تصريحه هذا كان من المفترض أن يدلي به عسكر زعيل. أحيانا يرى أحدنا أشياء غريبة يقوم بها رجال نختلف معهم في نهجهم المتبع لإدارة البلاد، ولم نكن نتصور أن نختلف معهم بشأن مكانتهم ودورهم على أساس من تقديرنا لهم، على غرار ما تفعله بنا تصريحات قحطان مؤخرا، وهو يكرس وجوده لتبرير أخطاء الجنرال.

هناك جانب شخصي في حالة الذود التي يخوضها قحطان لأجل علي محسن، من كونه بشر بثورية الجنرال، وربما قام بتسويقه داخل التنظيم وداخل تكوينات الثورة، وشعر في مرحلة ما بأنه هو من حدد له أو اجتذبه وشجعه على إعلان انضمامه، ناهيك عما لا أعرفه أنا أو غيري من أسرار تحالفات هذه القوى التي قررت تقديم نفسها لنا ولبعضها والعالم، على أنها قوى الثورة.

كان الموضوع بحثاً في كيف تقع الرؤى والنزعات والمحاولات المدنية في هذا الأتون من التبريرات وتبادل اللوم، انتهاء بتلاشي أي مشروع جيد لأجل البلد في فراغ المزاعم، وحيث تكون أولوية الساسة الذود عن حلفائهم، تصبح سكينة الناس وحقوقهم في الأمان والسلم، مكشوفة على توتر المتحالفين في موجة مدافعة لا يركن أي من أطرافها لشيء كما يركنون للسلاح واحتفاظ كل منهم بكفايته، لأن السلاح هو خبرتهم التاريخية المراكمة، ولم يبرعوا يوما في السباق على سهول المدنية والتحديث، فذلك سباق متعذر على جاهزيتهم، ولم يعدوا أنفسهم له، ليتحول هذا التمدن لمجرد مزاعم متبادلة قد يطلقها طرف منهم لتحذير الطرف الآخر، وربما إحراجه مع القوى المدنية إن لزم الأمر.

كان الناس يتدافعون صبيحة انفجار مخازن الصواريخ، لا يدرون كيف يجلبون أطفالهم من المدارس، ولا ما تراه قد حدث لهم على يقين أن حربا قد اندلعت بين أشياء لم يعد الناس قادرين على تحديدها، يتوجسون فقط من توتر بين أطراف كثيرة ومتعذرة على التصنيف، وكلما حدث شيء من هذا القبيل، خافوا على حياتهم دون أن يعرفوا ممن هم خائفون تحديدا، الأكيد فقط أنهم خائفون من السلاح، والسلاح بحوزة الجميع، ولن تدري صنعاء من القاتل آخر المطاف.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق