الجمعة، أكتوبر 19، 2012

حماسة الشجعان


محمود ياسين

عندما يتطلب أن تحيا بشجاعتك فليكن، أنت لا تملك خيارا أحيانا غير اقتفاء أثر أبطال الأساطير، على ما في الأمر من تقمص لا واقعي، لكنك تضمحل أحيانا ما لم تتشجع، على أن الشجاعة هي خيار المضطر حتى لاستثارة مجانين صنعاء المسلحين.

"لا تتحرش مجنوناً مسلحاً"؛ هذه نصيحة ذكية حقا في حال كان المجنون يمشي في العراء حالة من الهذيان والاستلاب، أما أن يكون هذا المجنون يتجول في بيتك ويتحكم بطعامك وينهب قمحك، فهذا ما يجعلك حقا إزاء الخيار الأخير وأنت تجازف بوجودك الجسماني لتحيا، ولو على الأقل كصورة لائقة تعلق على جدران العائلة وفي ذاكرتها.

لطالما أشرت لأصدقائي في غمرة الاحتفاء بالنضج، كيف أن الهدوء أفضل لمجابهة هؤلاء، ضاربا المثل بقصة النسر والخفاش، وكيف أن النسر في حال وقع في الأسر، يبقى رابضا كامنا بقوته، وينفك عند أول فرصة، بينما يخبط الخفاش بحوائط القفص، ويجرح نفسه، وينهك ويضمحل، لكن ثمة أوضاعاً كالتي نعيشها لا تعوزها الحكمة بقدر ما نحتاج لصدمهم وإيقاظهم بلغة الشجاعة الوطنية المتداولة في حكايا الشعوب. كيف يجلس الفتى أمام شاشة الكمبيوتر بدون تحاذق ولا ادعاء نضج، وفي ذهنه يقف رجل قرأ قصته في كتاب يحكي عن لحظة وقف ذلك الرجل المذهل بمواجهة جيش أرعن، وكيف استل سيفه قائلا: ها أنا أجابه الشر وحيدا إلا من قلبي، وإن غادرت هذا العالم سأغادره خالي اليدين، ولم أملك شيئا غير شجاعتي.

نحن ننضج ونتعلم كيف نتوخى الحذر، ونعتمد المنطق ضمن تجريب إيقاظ العصابة بالإشارات النابهة المقتضبة الذكية، غير أن لا أحد في منظومة سياسة صنعاء يتخاطر مع المنطق، ولم تتعلم هذه المنظومة إدراك هول ما تقوم به إلا بالصدمات التي يقوم بها أناس لا يملكون في هذا العالم غير شجاعتهم.

التغيير هنا عالم ثالثي بقول الحقيقة القاطعة وليس بالتسويات.

لدينا جيل من الكتاب بين العشرين والثلاثين، ولا يسعهم توخي الحذر بدون سجون ولا تنكيل جماعي، لا يسعهم اعتماد اللغة الهادئة، بينما لا تزال صدورهم مليئة بالهواء النظيف والحقائق القاطعة التي لا تتجزأ، ليس لديهم تصنيف لنصف شرير ونصف جيد، يرون رجال الحكم بلا خبرة من ذلك النوع الذي يفضي في الأخير للتكيف مع الوضعيات المختلة بما يشبه ثورة، وما ليس مرضيا لرؤيتهم المثالية الحالمة بدنيا عادلة.

أظن مأزق التسيس الطري هو ما وقع فيه فتيان الساحات عندما حاولوا إظهار الحذاقة في التعاطي مع خيانة حلمهم، وأرجأوا الغضب الذي لا يملكون غيره، ولم يتمكنوا من مسايرة التسوية الخليجية، ولا التأثير في مداها، ذلك أن التسويات ما هي إلا حالة استرخاء يمكن توجيهها في النهاية لتصبح إنجازا أو خدعة.

هذا جيل يقرأ المآثر، ويحتفظ بمشاهد النهايات المجيدة للأبطال، ولا يمكن دمج ذهنه في تسوية لم تتوجه وفقا لخروجه الغاضب النبيل، وهم الآن يبحثون عن فعل ملائم لدرجة خفقان قلوبهم، وإنه لمن غير النضج المعرفي الأدبي اختزال مآثر الرجال الأفذاذ وشجاعتهم في رواية دونكيشوت التي تسعى في جانب منها للسخرية من حماسة الشجعان.

لم يحن الوقت لتنضجوا بعد، ولقد حصلت هذه البلاد على فرصة تغيير بسبب شجاعتكم، فاخرجوا مجددا ولا يزال زمن الفتوة النبيلة وفكرة العدالة الناجزة ينتظر جولتكم الثانية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق