الخميس، أكتوبر 18، 2012

ابتهج قليلاً


محمود ياسين

ألم يتعب أحدكم من تعبه اليومي؟

أذكر أن أرنست همنجواي قال إن السعادة: صحة جيدة وذاكرة ضعيفة، وأنا هنا بصدد التنظير, لأنه ممكن هذي السعادة, ولست بحاجة يا صديقي لمجابهة ذاكرتك والسير منذ المغرب في حقول ألغام قد تنفجر فيه ذكرى إساءة أو تفكير مجاوز يرعبك من اختلال سوائك النفسي.

الأفق الضيق هو ما يجعل وجود المرء محشوراً بين سلسلة مآزق أغلبها ذهني, ذلك أن لا أحد يموت من التزاماته المالية أو من فتور علاقته بصديق أو امرأة.

ضيق الأفق يخلق متواليات ذهنية تصل بك إلى الإدمان، إدمان رثاء الذات وإدمان المبالغات وتلك اللكنة المتفاقمة لإنسان يحصي تجاوزات الآخرين بحقه وهم فعلوا وفعلوا ولم يتفهموا، يا رجل لم يتم تفهم احد على النحو الملائم في عالم مغلوط ذهنياً يريد أشياء ويستجلب أشياء أخرى, ويكرس وجوده بعدها لتسمية ما جلبه من أشياء اعتباطية على أنها ما يحتاجه وما كان يريده، على غرار هذا النوع من كتابة متلاحقة عن أسماء العصابة وخلافاتها وأنشطتها الفجة كل يوم بحرص المسؤول عن رشد المعتوهين مسمياً هذه الأشياء دوراً وطنياً مهماً ومسمياً الكتابة عملاً سياسياً, بينما الكتابة في حقيقة الأمر جذبة وانفعال يبحثان عن التواجد الجذاب.أما وقد علقنا في الترهات الحاذقة والتجول في الفيسبوك بحثاً عن أشياء لا تدري كنهها, فليكن أن نتجول بدون تذمر وننال من الأغبياء السياسيين بدون تذمر ونتفاكه, والعالم يمضي بأبطال أو بشذاذ آفاق، يمضي العالم ويتناسل ويتم خداعه على نحو مطرد وهو يستمر مرتجلاً ابتسامة هنا واستسلاماً لعالمه الجواني النهم الأقل ذكاء من كشف عاهات السياسة.

اليمن مكتظة بالثوار واللصوص والمهنجمين وبشهداء الحقيقة وشعراء التفعيلة والأسماء المستعارة في الفيسبوك ومكتظة بالتنبه واستجلاب الأشياء التي لا تلزمنا في أحيان كثيرة، ذلك أن أحدهم يمضي السنوات في جلب الصداقات الزائفة والمعجبات الغبيات والذكيات أيضاً, ويقوم بتشييد تلال من الأكاذيب والأحزان التي تظهره عميقاً يتألم ويغفل اهتبال فكاهة, ولا يرفع رأسه ولو من قبيل الفضول أثناء مرور بهجة مسائية على هيئة امرأة جميلة أو رواية مبتكرة.

ما هذا؟ جاري مطنن وحارس العمارة مطنن وأخي الذي في القرية مطنن والبوابة مكتئبة بسبب تبول أطفال العمارة على حافتها السفلية, وأنا مطنن, ولقد سئمت كوني لا أجد سبباً وجيهاً لكوني مطننَّاً.

هذا هدر هائل غير يقظ لأيام لم يعد لدينا منها الكثير، قريباً سنصل سن الرشد الذي هو سن اليأس, ونبدأ في تقمص غباوة هذه المرحلة بلا ترهات ولا ألاعيب ذهنية, وكان يجدر بي الإسهاب قليلاً عند بداية المقالة وهي تتحدث عن ضيق الأفق واقتفاء ذهننا اليومي لذات المحطات, والوجوه المتجولة في ذهننا على هيئة أشياء مقلقة وكشف حساب يتم عرضه يومياً على إنسان منهك, ومقصر يحدق في وجوده بنظرة يهوذا المخطئ الذي لا يملك إلا يخطئ، متحاشياً في ذات الوقت الانفعالات الذهنية المختلفة المبتكرة بنية بهجة الكشف والتجريب.

ماذا لو جفل اينشتاين من فكرة النسبية؟ هل كان العالم ليحصل على تطبيقاتها العملية المهمة أو على الجانب المبهج الباعث على الشغف من قوام نظرية النسبية, وهي تقدم لك عرضاً بإنجاز فجوة في جدار الزمن؟

فكروا في الانتشاء والملاسة ،فكروا في السباحة ليلاً في عتمة المحيط الهادي المهول.

فكروا في أبخرة الصباح وعيون الصبايا وروحهن الفرائشية.

اللصوص باقون, ومواقفكم يمكن أن تحظى بالتلقي الأمثل لو خالطها مزاج رائق.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق