الثلاثاء، أكتوبر 02، 2012

حتى يعترف المجرمون


محمود ياسين

الإخفاء القسري يتعدى القتل الى وضع عائلة المخفي في جحيم الترقب ووحشة المصير الغامض.

لقد تمكن مراد سبيع من لفت انتباه الضمير اليمني لشناعة الإخفاء القسري، ولبعض الأسماء التي كانت صحيفة "النداء" حملتها إلى السطح، أمثال علي قناف زهرة، ومحمد علي قاسم هادي، الطالب الذي لن نتخلى عنه حتى يعترف المجرمون أنهم قتلوه، وانتزاع هذا الاعتراف هو جوهر النضال لأجل المختفي قسريا.

أما كيف تمكن الفتى مراد سبيع من التجول النبيل بكل هذه القوة، فيعود لبراعته في رسم الوجوه المخفية على الجدران التي يمر بها المجرمون في طريقهم لإنجاز جرائم جديدة.

يعلمنا مزيج سبيع اللوني وجداريات رفاقه الفنانين أمثال ريان الشيباني وصامد السامعي وهاني الجنيد، كيف نشعر بقوتنا المتصاعدة على عاتق الفن المنحاز للإنسان.

فما إن موّج مراد سبيع ملامح علي قناف زهرة، حتى سمعنا صوته من العالم المظلم، ورأينا أمام الجدار ما الذي فعلته أكثر من 30 سنة، ببيت علي قناف، وتشققات قلوب بيت علي قناف، والفن وحده يملك القوة الكافية لتبصيرك بعائلة الضحية، ويجعل لها رائحة وألوان عقود من ترقب أن يطرق الباب في وقت متأخر من الليل.

يبدو أن علينا تقسيم العمل لانتزاع اعتراف المجرمين عبر تقسيم أنفسنا إلى مجموعات؛ مجموعة لعلي قناف زهرة، وثانية تبحث في مصير محمد علي قاسم هادي، وسأكون ضمن مجموعة هادي، وأقسم إننا سنقتفي آثار دمه حتى نصل للمجرم، ونجبره على الاعتراف، ولو كان هذا آخر ما سأفعله في حياتي.

في فيلم يحكي قصة امرأة تبحث عن الضابط المتقاعد الذي كان مسؤولا عن تعذيبها في أحد أقبية الاستخبارات, تتمكن في الأخير من اجتذابه لبيتها، وتبقى تعذبه، مصرة على مقايضة اعترافه بجريمته مقابل عفوها عنه, ذلك أن عينيها كانتا معصوبتين طيلة فترة التعذيب، وتعرفت على الضابط المسؤول من صوته. حاول المجرم العجوز التملص وإنكار واحدة من خطايا ماضيه، غير أنها بقيت مستشرسة لا تقبل بأقل من اعترافه أنه هو، وأن تلك تعليماته الشنيعة, وأن ذلك صوته، وأن جراحات روحها وضروب انفعالاتها الأليمة كانت أثرا لأصابعه، وأرادت اعترافه بشدة لتحصل على السلام، وعندما اعترف أخيرا، أجهشت السيدة بالبكاء.

من الأحداث الأخيرة والأسماء المتداولة للضحايا والمجرمين، يبدو الأمر كأنه يقتصر على الشمال، بينما تبقى جرائم الحزب الاشتراكي وضحاياه المختفون أيام حكمه للجنوب، كأنه تقصد الانتقام من رموز شمالية، أو الانتصار فحسب لمعذبي مناطق معينة، بينما هو في حقيقة الأمر التعاطي مع ما في المتناول، وهذا خاطئ من كونه تقصيرا وقلة خبرة، فلا زلنا في بداية هذا النوع من نشاط حقوقي بالغ الأهمية.

على الضمائر ملاحقة كل الذين أجرموا بحق شعبنا، أيا يكن وضعهم الآن، فالبلد بحاجة للعدالة قبل أي شيء. يجب إخراج أرواح الضحايا من دهاليز صنعاء وأقبية عدن.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق