الثلاثاء، نوفمبر 13، 2012

لا أحد يملك تفسيراً يا محمد


محمود ياسين

للمرة الألف أخبره أن ما حدث له علاقة بالتخلف السياسي وليس محض مؤامرة سعودية .

هو ليس مثقفاً يسارياً رغم محاولاته مؤخراً أن يغدو كذلك لدرجة أن اتصل بي البارحة قائلاً: كيف انضم للحزب الاشتراكي؟ كان خاله اشتراكياً من ضاحية إب ولطالما لقنه درساً تاريخياً يختزل كل عجزنا في مؤامرة سعودية امبريالية، وهو قد بقي منذ وفاة خاله كمداً في العام أربعة وتسعين بسبب ما اعتبره هزيمة شخصية له أمام شيخ القرية ،بقي يقاوم رغبته في الانضمام للحزب الاشتراكي بسبب من عدم رغبته في الفقر الاشتراكي الذي لازم خاله حتى مات، غير أن الفتى بحاجة للتفسير المؤامراتي الذي يتمتع به اليسار ويمنحه الغطاء النظري لكراهية السعودية والانتقام منها رداً على تبول جندي سعودي على رأسه وهو يحاول مع رفاقه التسلل عبر حدود المملكة، لقد غسل رأسه من البول السعودي في أحد مستنقعات الحدود وعاد لا يطالب أحداً برد كرامته الوطنية, ولم يصادف من يدفعه لمطلب كهذا، كان بحاجة لحدث يمنحه شيئاً من الكرامة الوطنية وأنا لم ألفت عنايته مؤخراً لمشاهد تلفزيونية يقوم فيها مسؤولون ثوريون من بلاده يقبلون أكتاف من تبولوا على رأسه،، انخرط في الثورة وهتف للجميع، الشباب والإصلاح والدكتور ياسين وهتف لي أيضاً لينتهي مؤخراً للريبة بنا جميعاً ولا يكف يتبرم من مقالاتي الأخيرة مفصحاً أنه لم يعد يفهم موقفي وان ما أقوم به "تخذيل".

لقد خذلناه حقاً، جميعنا قمنا بذلك متعاونين على تشتيت فؤاد جيل بأسره، وما أنا إلا كاتب يا محمد ولا أحد يمكنك الملاذ به, ليس بسبب موت أبو الثورة ولكن هي هكذا تدافعت رموزها وتقاذفت خارج مسار الحلم ،هو بالطبع لم يفهم العبارات الأخيرة متسائلاً: ليش ما تفضحش السعودية؟ وكان سؤاله هذا هو جهده الواهن الأخير في النيل ممن أذله.

لقد رضخ في النهاية ورضي بالفقر الاشتراكي مقابل حصوله على يقين المؤامرة وكأنه يقدم لنا تفسيراً واقعياً لنشوء نظرية المؤامرة في التاريخ باعتبارها الملاذ الأخير لكل الحالمين المغدورين.

أخجل أحياناً من العتاب الصامت لشباب كثيرين يقرؤون لي مؤخراً جملة اعتداءات على يقينياتهم وثقتهم بأسماء سياسية بحثوا في معطف كل منها عن أب .إصلاحيين انقياء ومتحمسين بلا تأطير حزبي وباعة متجولين كان لديهم ذلك الأمل اليقيني الناجز على عاتق الحدث الذي هو ثورة شاركوا فيها وجعلوها تنجح في طرد السيئين ووضع الأخيار مكانهم، ذلك حقهم والمعضلة اليمنية عصية على التفسير وأخبرهم في كل مصادفة أن المبادرة الخليجية سيئة لكننا ضحية تخلفنا السياسي ولو لم تكن السعودية موجودة لقامت دولة أخرى بتفخيخ أحلامنا ولو بصورة مختلفة ومستوى أقل سوءاً بقليل، وفي النهاية تبقى المسألة أكثر تعقيداً حتى من إصرار بعضنا على اختزال خذلاننا في مجموعة أسماء وكيانات.

لا نظرية المؤامرة كافية الآن ولا ملاحقة الرئيس وتسميته مخلوعاً ستكفي لمنح هذا الجيل ولو القليل من الضوء حتى لا يتشظى، يحتاج محمد لتفسير معقول لما يحدث, وربما وظيفة ومصادفة أداء سياسي رسمي يقنعه أن الأمور أقل سوءا، ولا ضير في منحه بعد ذلك استمارة انتساب للحزب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق