الثلاثاء، نوفمبر 13، 2012

جمعة الكدم


محمود ياسين

لقد نالوا من حدث الثورة ومن الجمع.. الجمع تحديداً جعلوها شيئاً مبتذلا ونشاطا هكذا يصيبك بأمراض القولون.
كانت جمعة الغضب، وغضب الناس بالفعل وللتسمية حرارتها وللجمعة مكانتها اللائقة حتى جمعة الكرامة وما بعدها بأسابيع ثم تحول الأمر إلى فذلكة غبية وكل شوية جمعة مدري أيش، ولا أسوأ من العبث برمزيات الشعوب في حالات صناعة هوية أمة لها تواريخ ومآثر وشعارات محترمة تدور حول حماسة أمة في طور بناء شخصيتها برموز زمنية ومسميات.

أي تقدير يتبقى في ذهن مواطن عادي يجلس في جمعة اسمها غير مفهوم وواضح انه" شغل عيال" وتركيب حالة حماسية شعاراتية ملفقة على نحو ماسخ، ولقد تحولت جمعة مدري أيش إلى مادة للتندر وهكذا نحن اليمنيين مثل فقير حصل صدفة على مرق فظل يزوده بالماء الفاتر حتى مسخ طعم المرق وتلاعب بفرصته بذهانية .

سائقو التاكسيات الذين كانوا في الماضي يشيرون من جولة تحت الفرقة وقريبة من ساحة الجامعة يشيرون إلى الساحة بإجلال من يشير إلى وكر النسر. اليوم يتساءل السواق (ما عاد معاهم)؟.

أنا لا أدري ما عاد معاهم غير ما تبقى في أجندة الأحزاب وفي برامج سهيل تتحدث عن ساحة الثورة فتشعر إما أنك خارج الزمن أو أنك خائن.
ولا تجرؤ على الصراخ: أي ثورة وأي ساحة؟ ذلك أن وضعيات كهذه الساحة الممتدة الآن من باب الجامعة إلى جولة صنعاء مول والتي كانت في الأيام الأولى للثورة مسافة قياس أحدنا لفضائله الشخصية وللقوة الروحية لشعب بأسره أصبحت الآن هذه المسافة الممتدة مثل أفعى نافقة بدأت تتعفن.

يتشارعون على مواقع الخيم ونقل قدم وتنازل عن جزء من الخيمة وعاقل يحكم على خيمة شباب 21مارس بتغيير باب الخيمة إلى الجهة الغربية وتشتكي خيمة الإباء والصمود من رائحة بول خيمة فتيان ثورة الشباب المستقل ولا يدري العاقل كيف يحكم في معضلة كهذه، فيشير عليه مساعده الذي انتقل مؤخراً من ساحة ميدان التحرير التي كان فيها معتصماً مع الرئيس السابق وغادر مغاضباً بسبب تلكؤ الرئيس السابق في محاسبة المطعم على قيمة 700 دجاجة مشوية مختلف بشأنها وها هو في ساحة الثورة يلحق بما تبقى من ثورة بلا دجاج لكنها بيئة ملائمة لطلبة الله ويشير على العاقل ببناء حمامات جديدة كمشروع استثماري يديره هو على أن يتم حل مشكلة بول الخيمتين المتنازعتين بدفع شبابهما للضغط على اللجنة التنظيمية لشراء مرحاض مؤقت.

عندما تهزم عليك التعامل مع هزيمتك بشرف ولا تدع لها أن تقعدك في بؤرة اللاجدوى تتشمم روائح عجزك وضياعك بلا مرقد غير المكان الذي تم فيه خداعك وسرقتك.
للمخدوع شرف المغادرة والفعل المختلف على أن يلعق جراحه مستتراً بنبالة الكريم الحالم وليس هذا الذي يشبه التخزين اليومي في مقيل شيخ قتل أباك وكنت تحضر هذا المقيل خصماً محتداً تتعرق بحماسة صاحب الحق.
لا أمرَّ من تعايش المغدور مع ذل البقاء بصمت.

الساحات مآثر ونصب تذكارية يمر بها الزائرون ويرون لحظة من عنفوان الشعب قائلين لبعضهم هنا توهجت الكلمات وهنا سقط البطل فلان وكأن هذه روائح دمه العظيم وليس روائح المراهقين المخذولين النائمين إلى الظهيرة.

تتحول مآثر الشعوب المنكودة إلى عشوائيات وصراعات مهينة وجمع غريبة الأطوار، اقترح لها عامل طلاء باليومية وهو يبصق الشمة على أرضية الجمعة مزمجراً "جمعة الخجافة".

الفرص التاريخية كهذه التي مرت بنا لتكوين أمة غالباً ما يصاحبها مماسك على هيئة تواريخ وساحات ونصب تذكارية، وقصائد ولوحات، وحكايات وبطولات ودموع وخيانات ودسائس وأناشيد وأمجاد.. وذلك كله لتكوين وجدان وطني جامع يمكن الاتكاء عليه للسير قدماً بفخر ومسؤولية كنا نحتاجهما للبدء من جديد.

أما أن يتم التلاعب برموز لحظتنا التاريخية وساحاتها وأدبياتها وشبابها القابعين في الورطة لا يدركون كيف يعودون لقراهم وتصالحوا مع صغائر ومهانات الصراع على بؤرة في عشوائية كانت يوماً ساحة ثورة، فذلك مهين للغاية ويفصح عن ضحالة روحية وعن شر عظيم أيضاً.
الشر المنظم وهو يهين جيلنا على أبواب الجامعة وفي مصلاها الذي كان يوماً جمعة كرامة ويكاد يتحول إلى جمعة كدم وصلت للتو من الفرقة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق