الثلاثاء، نوفمبر 13، 2012

الفرصة الضائعة لتشكيل أمة


محمود ياسين

في لبنان طوائف عبرت عن وجودها وطموحها بقيادات تضمن هذا الوجود والطموح.
لدينا نحن قيادات تحاول التعبير عن وجودها وبقائها بخلق طوائف على مقاس طموحاتها الفردية. البيض يستقبل المهنئين بالعيد في قناته التلفزيونية وعلي عبدالله صالح يتلقى التهاني ويصافح طوابير في قناة "اليمن اليوم" والحوثي في "المسيرة" يقيم ذات المراسم الشعبية، وفي الأخير رئيسنا الجديد يستقبل مهنئين على بث قناة "اليمن الفضائية".

أصبح رئيسنا رأساً بين الرؤوس وهكذا تتراجع فكرة الدولة وحضورها لحساب زعماء الطوائف.
وحين يصل سياسي عربي أو غربي إلى صنعاء فإنه يزور كل زعيم على حدة مع أنه من المفترض اقتصار مباحثاته مع وزير الخارجية أو مع ممثل من المؤسسة الرسمية ذات العلاقة.
يجب تحديد المشكلة هنا في تفرغ الزعامات اليمنية لبناء عناقيد طائفية تجعل من وجودها أمراً واقعاً ضمن منهج النبش في التاريخ لإحياء عصبويات مناسبة ويتدرب اليمنيون على الإيمان بجدوى الطائفية أو العصبوية أثناء غياب الدولة والمضي قدماً في تغييبها.
لقد كتبت بإلحاح عن هذه الفكرة، لأن بوادر تشكيل طوائف للبلاد هي بديل للفرصة الضائعة، تلك الفرصة التاريخية لتشكيل أمة.

هادي مسؤول عن كارثة تاريخية رست على شاطئ حياتنا وبدأت في إنزال عتادها وهو يباركها متناسياً التحذير الذي كرره هو نفسه أكثر من مرة أمام أعضاء البرلمان، والوزراء من أن التاريخ لن يرحمهم وسيحاسبهم.
فما الذي سيقوله التاريخ عن عهدك يا فخامة الرئيس؟

أغمض عينيك وتصور أنك بعد عشرين عاماً تتصفح كتاباً تاريخياً متخصصاً عن الثلاث السنوات الأولى في زمن ما بعد صالح، رغم أنني لا أظنك ستتعمر إلى تلك الأيام،لكنك ستجد شهادته عليك، إما في الفصل الأول أو في الصفحات الأخيرة مؤكداً على (في فترة حكم هادي الأولى وبسبب من انخراط الرئيس في لعبة مراكز القوى وإغفاله لقوة الاختيار الشعبي له في الانتخابات وضعت تلك القيادات الأسس الأولى لما هو حاصل الآن في اليمن من طائفية قسرية مبتكرة كان بوسع هذه البلاد تجاوزها لو حضرت المؤسسة الرئاسية في حياة شعب يؤمن بالدرجة الأولى ويطمئن لوجود القائد).انا هنا لا أدعو لفكرة القائد الفرد بقدر ما هو حديث عن خطورة استبدال ما كنا قد حققناه من تعددية سياسية بتعددية طائفية أثناء غياب الدولة وغياب الرئيس.

لم يكتفِ الرئيس بهذا الغياب وقام يعتذر مؤخراً عن إفراطه في الخطابات مع انه لم يخاطب اليمنيين إلا لماماً مسلماً عقولهم وآذانهم المفتوحة الآن على اتساع فراغ ما بعد صالح. مسلماً إياها لخطابات أخرى وجاهزيات طائفية عصبوية نهمة لتشكيل أجزاء من ذهن شعب هو الآن في مرحلة القابلية الكاملة والمستعدة للتشكيل.

شعب في حالة من اللايقين والتيه وجاهز لالتقاط الإشارات السلبية التي تبث من كل ناحية.
للرئيس الأمريكي خطاب أسبوعي إذاعي يبقي الأمريكيين على اطلاع بالصورة الكاملة متواصلين بالخيار الرسمي ومطمئنين له.

وكان روز فلت يتحدث إلى الشعب مساء كل أحد من جوار المدفأة ويقول لهم نحن نمر بأيام لها ذات التأثير على كل أفراد العائلة ولدينا جملة مصاعب غير أننا سنحاول تخطي هذا ويطمئنهم في الأخير بجملة تفصح عن (سنكون جيدين).

وكان نهرو يتحدث لشعب الهند عن كل معضلة وكل أسبوع بلكنته الصافية النزيهة في الملمات، وينامون وفي أعماق الشخصية الهندية يتردد إيقاع واحد "ما دام نهرو هادئاً فالأمور هادئة".
كان الشعب جاهزاً لدولتك فور إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، وكان على مقاس رئاستك وجاهزاً لارتداء دولة جديدة، أما وقد غبت يا سيدي وغيبت معك الدولة فقد شرع الطامحون في تفصيل هذا الشعب على مقاسات مختلفة وبأصابع أقل مهارة وأكثر استحواذاً ونهماً.
وقد ننتهي إلى مزق التعايش في حياة مرقعة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق