السبت، ديسمبر 08، 2012

قذارات طافية


محمود ياسين

أبطال تكاثروا هكذا، وأصبح العيش على حساب هذا النوع من البطولات يتم تداوله في "فيسبوك" على نحو باعث للشفقة.

يمكن لأحدنا احتمال الحماسة الصادقة لفتيان حالمين مندفعين لا يملكون غير حماستهم، كهذا الفتى عمران وهو لا يزال في ساحة التغيير ينتشي على حساب حماسته، ولا يريد الرضوخ لفكرة أنهم خدعوه، مكرسا وجوده لفكرة أن المعركة لم تنتهِ، وأن الثورة "صيرورة"، وما بين الأقواس مصطلح يضعه عمران في كل جملة يحدثك بها، حتى تشعر بصرير في أسنانك، هو منفعل بصدق ونزاهة وصيرورة.

بينما يدعي بعضهم من خارج الساحة والحلم، يدعون الانفعال وإظهار عدائية متكلفة وزائفة تجاه أي شخص أو مؤسسة من النظام السابق، أعرف أنهم رموز التدمير الهائل لحياتنا، ولقد كانوا ولا يزالون خصوم حياتنا الأفضل، ابتداء بعلي عبدالله صالح، وانتهاء بعمار وطارق، وكبير الفتيان أحمد علي، الذي لا يزال تواجده كقائد لأقوى وحدات الجيش، يذكرنا كم أننا أخفقنا في هذه الثورة، غير أن المبتذلين لا يمنحونك الجو اللائق لقطيعة محترمة مع النظام السابق، رموزا وثقافة.

كان أحد متنفذي منطقة بضاحية تعز، دخل مع أهل المنطقة في خصومة، وتدافعوا معه إلى أن أصبح أضعف بكثير، غير أن سفيها من المنطقة كان ينتظر كل جلسة خصومة عند مدير الناحية، ويقوم بسب هذا المتنفذ، معرعرا له ولزوجته وأمه، فيرتبك خصوم هذا المتنفذ، ولا يدرون ما الذي ينبغي فعله تجاه سفيه يصرخ في وجوههم بتهم التخاذل والضعف، مستميتا في جرهم إلى مشاركته بطولة العرعرة، أو أنه في الأصل وفقا لمروية مدرس القرية، كان في البداية أقل حماسة من غيره، فلم يجد سوى ادعاء الغضب الشديد لأن القرية أيامها كانت مستعدة نفسيا للانتقام اللانهائي، وكان هذا السفيه يرضي مزاج القرية، وهو قد فطن للأمر، وأصبح يعتمد على المبالغات.

ثمة من لم يكتب كلمة واحدة ضد علي عبدالله صالح أيام كان يملك القدرة على الإيذاء والمكافأة، وعندما لم يعد قادرا على إيذاء أحد أو مكافأته، قام هؤلاء بارتجال عدائية مبالغ فيها، مدعين أن هذا شجاعة.

المزاج العام الآن هو مزاج مبالغات وضوضاء وادعاءات، لقد كتب عبدالعزيز المجيدي ضد طارق محمد عبدالله صالح عندما كان قائدا للحرس الخاص، وكتب ضد عمار ويحيى وأحمد والرئيس السابق، أيام كانت صنعاء كلها مستعدة لملاحقته لأجل عائلة الرئيس، بينما كان من يترندع الآن على طارق يقتفي نصيحة الأولين في تجنب الشر، والحياة بتعقل، واليوم قلبها بطولات، وسيحاكم وسيؤدب، راكنا لفجاجة بعض الغوغائيين وهم يغذون وهم هذا المبتذل، ويذكون بطولته المقززة. وهكذا سيجد كل متهافت في جو الادعاء هذا ما يكفي لتضخم شخصيته الوصولية المهترئة من الداخل.

لا أدعو لمصاحبة العائلة ومنحها الغفران النفسي، لكن لا يمكنني القبول بهذه البطولات الزائفة حينما لم يعد هؤلاء قادرين على الأذية، فلقد أصبحت الأجهزة الاستخباراتية، ولا سيما الأمن القومي، الذي كان ذراع الأذية العائلية، ودرعها؛ أصبح الجهاز الآن مثل موظف يبحثون له عن إدارة يخترعونها على مقاسه.

كتب حسين اللسواس ضد عمار صالح وهو مدجج بالأمن القومي، غير أنه عندما أصبح خارجا لم يزايد اللسواس أو يرتجل بطولة، ذلك أن فارقا كبيرا بين من يجابهون المخاطر، وبين من يعيشون على السفاهة والابتذال.

غالبا ما يكون هذا النوع من البشر محدودي الثقافة، ويتسلحون بأنوفهم القادرة على تمييز الروائح، ومتى يمكنهم التبجح والادعاء.

في إحدى مقاربات ميلان كونديرا النقدية لرواية شهيرة، يتحدث عن مشهد من هذه الرواية، حيث هاجم القراصنة سفينة، وقام بحارتها يقاتلون ببسالة، ولمحوا بحارا متشدقا يختبئ تحت الصناديق، وحينما فر القراصنة واعتقل بعضهم، خرج هذا الرجل من تحت الصندوق، ووقف عليه ليصرخ في البحارة "قاتلوا، أيها الجبناء". أظن حكم التاريخ على الأحداث الكبيرة يعتمد في حكمه على ما استخرجه هذا الحدث، وما صعد به من قاع الحياة إلى سطحها، وحينما تطفو القذارات على السطح يكون حكم التاريخ على هذا الحدث قاسيا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق