السبت، ديسمبر 08، 2012

جبل على صدر الحسين


محمود ياسين

أرثي حياة الناس وتعبهم وهناك دائماً ما يثقل كاهل أحدهم، يحدق وبوده لو يدعونه وشأنه
فأذكر من قصيدة للمقالح،
سلام على الأمهات       يلدن جيوشاً من الخائفين المخيفين
كنا نتسكع في صنعاء أنا وخالد وعبدالفتاح وبودنا لو نصادف قوة خيرة تمنح لكل منا وظيفة نعود بها إلي البلاد وقد سكن روعنا من تهديدات الضياع .
لكن لا مصادفة لشيء غير ضياعنا وحسرة الفتارين الملساء بشارع حدة ونحن ثلاثة مبعدون عن كل الذي في متناول النازلين من السيارات الفارهة بعضها يحمل لوحة حكومي وقد نتجادل حول هوية أحد المحظوظين التي لا تخرج عن كونه ابن شيخ أو جنرال، فما الذي تغير؟ أصبح خالد مغترباً في السعودية وعبدالفتاح ضابطاً في البحرية وتفرغت أنا للكتابة عن الشيخ والجنرال متجاوزاً الغصة من ترندع أبنائهم بشارع حدة إلي الغصة من ترندعهم هم في شارع الستين.
لا يزال ثلاثتنا مثقلين بوطأة اللاعدالة، والتباسات ما صار إليه أمر الطبقة المتوسطة في البلاد ومنذ كنت في البلاد وهناك ما يثقل كاهل الناس، يمر وجه أحدهم الآن أمامي وأتملى تعبه الذي عرفته ملازماً له منذ وعيت الدنيا، عامل باليومية كل شيء ضده، يعود ببنطلونه المدعوك بالرنج والزيت وقد حنقت زوجته أو شب حريق في البيت أو عسكر عليه متعب آخر من قريته ويجلس مع الناس في مقيل الجمعة وروحه المعذبة تسكن وجهه، وأسال لحساب من كل هذا التعب وأتداخل مع صوت روائي شهير وهو يقول: لماذا يموت الناس وهم غير سعداء؟
أبناء عمي مغتربون كلهم ومنهكون من هذه الغربة ويحاول أحدهم وهو أبو الحارث مشاركة المعرفة والسياسة وكل الذي حرمته منه الغربة من خلال الفيسبوك وكأنه يبحث في السياسة عن ملاذٍ بينما أراقب ملامح علي عبدالرحمن عشية مغادرته إلي السعودية وكأنه سجين سينفذون فيه حكم الإعدام غداً، أخبرني أن قدمه ترتفع لا إرادياً من دواسة الوقود كلما اقترب بسيارته من الحدود.
لم أعد ذلك المثقل بحياة خلو من الضمانات ولا أدعي أنني ذلك المسكون بهاجس البطولة الوطنية لكنني أجد أن شيئاً ما ناقص، ربما تكون الموارد وربما يكون النقص في الضمير السياسي، ولا أدري ما الذي يمكنه بالضبط التخفيف من ثقل حياة اليمني العالقة في الندرة والقسوة الاجتماعية.

تجرنا التداعيات حول التعب إلى حديث في السياسة المتهم الجاهز لتفسير ما صرنا إليه، وحين تصلني رسالة من الكاتب جمال أنعم يقول فيها، جبل على صدر الحسين، يتبادر إلي ذهني ما كتبه جمال في الصحوة وما بشر به وذلك المستوى العالي من اهتمام قراء الصحوة وشرائهم الصحيفة لأجله، وها هو قابع في البيت لا يدري كيف يردم الهوة بين اسمه وتعبه، وقد عاد من الساحة ومن الإخوة في الإصلاح بجبل على صدره، أتورط بمرور الوقت مع مشاعر القراء جاهداً في نفي فكرة كوني متعباً أو أن هذا نوع من رثاء الذات والآخر، ذلك انني لم أعد أتعب إلا مني ومن تهويماتي الوجودية متربصاً بأي ابتذال قد يمر قريباً، جميعنا يعاني بدرجة ما غير أنني مضطر لتكرار مقولة سابقة وهي أن شرف الإنسان مرهون بمدى تماسكه إزاء دنيا تفتقر للنزاهة يقتسم أبناء البلاد تعبهم بعدالة.
الذين كانوا معارضين أو في المؤتمر، كان ياسر ثامر مسرحياً موهوباً وناشطاً مؤتمرياً يترصده الخذلان، لطالما حلم بحزبية مؤتمرية لائقة وتحديث البلاد من خلال هذه الحالة، أصادف تعبه ضارباً في الجذور وهو يحاول اقتفاء العقلانية وتمظهرات الفن في آن.
غير أن ياسر بقي يبحث في ذهن المؤتمر عن صواب بينما كان ذلك الذهن الجامد منشغلاً بمعمر الإرياني وما يمثله من حرق مسافات، تاركاً للإرياني نفي ثامر من بوابة اللجنة الدائمة لم يخطئ أياً من المتعبين في الاختيار ليدفع الثمن كلما هنالك أن حياتنا بلا خيارات.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق