الأربعاء، يناير 30، 2013

فكروا في الزهور


محمود ياسين

سنحاول أن نحب الحياة لأننا لا نملك غيرها، وهي هكذا بعد ثورة فاشلة، وفي شتاء صنعاء، والخيانات والصداقات مع قطعان الذئاب، سندعي أن الفوضى قابلة لأن نستخرج منها ما يمكن أن يكون جيدا، وهكذا، لأننا لا نملك ترف الجلوس عند حاجز الجدران المسدودة، وليس أمامنا سوى الحلم بالفجوات التي نحدثها في جدران السياسة والحب، ومساءات صنعاء التي تنزل عليك مثل ستار حديدي تمضي أغلب الليل في محاولة نقبه.

لست مرحا، لكنني سأضع العطر على قميصي، بعد أن أكون قد غنيت في الحمام تحت الس البار "الحياة حلوه"، سأتصل بصديقي اللدود لأخبره كم أنني مشتاق إليه، فأنا أخاف الوحدة، ولا أحتمل تبعات مكاشفة ذاتي، ومكاشفة من حولي بزيف وجودنا. الصدق حزن لا يتململ، والصدق فجائع تسميها حقائق، والصدق سذاجة فتاة عذبة تريد التجول في سوق مزدحم بالناس المكبوتين، مطالبة بحقها في الشرف.

إن حرية الكائن في صنعاء هي اختياره لأن يكون وحيدا ومنبوذا ومرتابا في كل ما يحيطه.

لذلك سنخبر أنفسنا أن الصباح سيكون أفضل، وأننا سننجو من عصابات سياسة العاصمة ومشائخها وضغائنها وإصرارها على إرهابنا بالمنفى ما لم نرقص على إيقاعها.

كل شيء من حولنا ينهار، لكن مهمة أحدنا الآن أن يبقى على قيد الحياة في السجن الكبير، مدافعا بالكاد عن وجوده الحيواني الصرف، مرددا لنفسه في ليالي السجن القارسة: "عليّ أن أتماسك، وألا أدع لبقية القطيع أن يشموا رائحة خوفي".

وفي إب سنلتهم الملوج في مطعم السلتة، ونتلهبب متحرقين لطعم القات الذي اقترضناه للتو، وسنركب المتر، وننطلق لمقيل الشيخ الحبيشي، نبادله النكات والتعليقات اللاذعة ضد النقائل، مختزلين هويتنا كلها في دور ضحية النقائل، لنحصل على الوهم الكافي بكوننا جيدين، وكنا لنكون سعداء في إب لولا النقائل، أما أنا فسأتمسك بالكتابة عن مزاج إب، مستمزجا من صنعاء روائح شارع العدين ومفرق البلاد ضمن ولعي العتيد برثاء كل ما كان من أيامي الذاهبات، على أن الماضي الشخصي وما تسرب من أيامي كان أكثر تلقائية وانسجاما، دون أن أغفل بالطبع التلكؤ اليومي في الكتابة عن أشياء وحياة ليس فيها رثاء من هذا النوع الذي أدمنته على مدى شهور، وحين لا أجد ما أرثيه أقوم برثاء الماضي، ورثاء المدن والناس الطيبين.

سنستمر لأننا لا نملك ترف التوقف وهجران العالم، فلقد انقرض الشنفرى، وزمن الصعاليك أصبح مروية للمقيل، وحين نحاول التصعلك نكون كما يقول ميلان كونديرا: "نفر إلى تهريج كئيب"، إذن، عليك البقاء والتمسك بموقعك في مقلب القمامة الهائل، ودافع عنه، فهو كل الذي لديك، قم برواية نكات سخيفة لنفسك، وابحث عن الأصدقاء المزيفين، واسمعوا "ممشوق القوام" و"تليم الحب"، مجدوا روح الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان، وأظهروا افتتانكم بالمحضار، متجاوزين هذا العسر اليومي في مناقشة الجنوب، مرددين اسم أحمد بن أحمد قاسم، ولطفي جعفر أمان، وباذيب، فهم سيحاورونكم في ما يمكنكم تقديمه لهم من المحبة والإجلال. وعندما يخطر لكم أنني أتناقض بين التبشير بإمكانية الخروج والتمسك بمقلب القمامة، فلتقولوا من حق الإنسان التناقض مع نفسه كما يقول بودلير.

لديكم ثورة الفرد ضد واقعه، لتخففوا قليلا من إحباطكم تجاه الثورة، هذا على أساس من إدراككم الواعي أنكم لن تثوروا ضد واقعكم الشخصي، ولا ضد من فخخوا الثورة.

كل ما هنالك أن الإنسان يحتاج للتغابي أحيانا ليتمكن من الاستمرار.

ولو أن نستجيب لنصيحة متداولة في بلاد الدنيا: "عندما تقع في مستنقع قذارة، حاول التفكير في الزهور".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق