الاثنين، فبراير 18، 2013

لا أحد سيمنعك من الانتحار


محمود ياسين

أحتاج وطنيا خائفاً على هذه البلاد

بيتنا الآيل للخراب وأين سنذهب بعد أن تتمزق اليمن وتستحيل لأمراء حرب وجماعات وقوافل لجوء وهاربين من وجه التطهير العرقي والمناطقي؟

أفكر أحياناً بأنه يحتاج أحدنا لقلب نبي ليمتلئ بشخصية الخائف على قومه وليتمكن من تصديق صوته وهو ينقل للناس صورة لخطر داهم، ولا أدري كيف أفعل وأنا أرى الأيام القادمة جحافل عنف لا تختبئ خلف شجر ويمكن للجميع رؤيتها قادمة من صعدة ومن الجنوب ومن قلب الدولة حيث الرئاسة الصماء تفرخ كل يوم وهناً إضافياً وتفرش بضعفها هذا طريق العنف والتشظي بالسجاد.

حيث لا دولة وحيث يتكالب الأقوياء بقلوبهم العمياء وسكاكينهم الحامية قادمين من الداخل ومن الإقليم ومن الأقاصي للعبث بمصير بلاد بلا أب.

أتدرون أنني مضطر لتكرار المثال عن إخفاقي في البكاء وإيصال صوتي الوجل وكأنني في كابوس عنيف حيث تحاول الصراخ في أخيك الغافل لا يدري أن الطاهش يوشك أن يلتهم رأسه، والكارثة أن الجميع يرون الطاهش ويخبرونك أنك متشائم وتبالغ وأكاد من فرط ما أجد من لا مبالاة جماعية تجاه الموت القادم على اليمن من كل صوب، أكاد أرتاب في قواي العقلية وجهازي الإدراكي.

يعول البعض على ضمانة حراسة القوى الدولية لمصيرنا وكيف أن هذه القوى لن تقبل بتمزق اليمن واندثاره كوجود .

ولا يحضرني الآن أي مثال ساطع أسرده لكم لتقتنعوا حقاً أن القوى الدولية حتى بوجود حسن النية قد أخفقت في حماية بلدان كثيرة أو بلد واحد من التشظي، وكان أحد وأهم سبب لإخفاقها في تلك المهمة هو تعويل أبناء البلد ذاتها على ضامن خارجي لما يحتاجونه بالضرورة وقام بعضهم بابتزاز هذه القوى الدولية ومقايضتها على استقرار بلده.

لا أحد يحميك من الانتحار غير رغبتك أنت في الحياة، وأنا واحد من الناس الذين سئموا التعويل على تصاريف القدر ومسؤولية المجتمع الدولي أو تعقل الأقوياء في النهاية.

لقد أجهزت الثورة أثناء سعيها للإجهاز على الرئيس السابق، أجهزت على مؤسسات الدولة ونظامها الأمني السيادي تاركة مصيرها الحركي ومصير البلد لتسوية لا تصلح بديلاً متماسكاً واعياً.

القائم الآن ليس بديلاً ضامناً ومتجدداً ولكنه احتمال مترقب لأن تنضبط معادلة الحكم والسياسة، والظاهر من سلوك هذا البديل الفارغ من مضمون الدولة المتماسكة يخلق كل يوم سبباًَ إضافياً للانهيار الكبير حيث وضع مصير البلد رهن التجريب، وتلمس أبواب الموارد الشخصية لمجاميع عصابات فالتة بلا راعٍ.

كان المجتمع الدولي يدرك مخاطر انهيار الصومال على السلم في المنطقة وعلى مصالح العالم وانهار الصومال، وكانت أوروبا العظيمة واعية تماماً لهول انجراف البلقان في حمى الاقتتال العرقي وانجرف البلقان لواحدة من أسوأ كوابيس أوروبا التي كانت تعتقد نفسها قد تجاوزت ذلك النوع من الكوابيس العرقية.

أفكر كثيراً وأتملى الناس وهم غير موجودين كفكرة رأي عام خائف ويقظ لسلمه الاجتماعي وكل الذي يخطر لي هو مناشدات بائسة فيها رومانسية ساذجة أناشد فيها الحوثيين والإصلاحيين ـ ليس معانقة بعضهم وتبادل الدموع ـ ولكن أن يتوقفوا عن العبث بأمن البلد والتوقف عن هذا السعي المحموم والغبي لتفخيخ اليمن من مفصله العرقي الطائفي.

ثم مناشدة أكثر يأساً للجنوبيين أن يمنحونا الوقت الكافي ويمنحوا البلد فرصة لتمنحهم العدالة وهي متعافية وقادرة على الرؤية.

أفكر أن بقية من الناس لا زال لديهم حس الافتتان الوطني المتواضع بلا بطولات ولكن بقلوب مؤثرة تحشرج في وجه الغيلان المتوثبة على بيتنا لتقول لهم: لن ندعكم تنهشون وجودنا، لن نغيب في الظلام بصمت.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق