الخميس، مارس 14، 2013

كل يوم مقالة


محمود ياسين

كل يوم مقالة، ألا يتعب هذا الأخ وهو لا يكف عن التبشير بالشيء ونقيضه،؟
ليس فقط لأني أراهن على حقي في التناقض من مقولة بودلير عن حق الإنسان في التناقض مع نفسه، ولكن لأن الأفراح تمر والأحزان تمر كما يقولون ولا شيء يبقى.
تحدث لي أحياناً "سكتة" بينما أحتاجكم كمهمة إنسانية لأجلي.
مع أن رسائل كثيرة تصلني عن حاجة أحدكم لي بينما هو العكس، إذ أنني عندما لا أكتب أشعر وكأنني مجرد وجود حيواني من ذلك الذي يصفه مارسيل بروست على أنه اهتزاز داخل حيوان.
عندما لا أكتب أفكر في الذباب، الذباب الذي يشي طنينه بالسأم ، وهو رفيق من يتحسس أن لا جدوى حياته.
لم أكن لأدرك مبكراً أنني سأكون كاتباً متفرغاً حتى وأنا أقرأ اسمي مطبوعاً لأول مرة في صحيفة "التجمع" وكنت يومها على سوار البرك بجامع الدنوة حين الظهر. إذ جلب أحدهم صحيفة "التجمع" وقد نشرت في إحدى صفحاتها قصيدة كتبتها وأنا في عطلة ثاني ثانوي وكان اسم القصيدة (بائعة الملوج)و تبدأ هكذا:
(أيصنعك الخبز أم تصنعيه) وعلى رأس القصيدة "محمود قاسم حسين" ذلك أنني كتبت ياسين هكذا "يس" كما في القرآن ولأنهم في التجمع علمانيين أو لنقل ماركسيين فعلاقتهم بالقرآن شبه منعدمة، لذلك ظنوا الاسم حسين ولقد تحمسوا للقصيدة ربما من ولعهم بصراع الطبقات أو بالانحياز لما تمثله بائعة الملوج من تعب متحرر.
المهم أنني يومها بقيت أتفاخر وأحدق في جبل نعمان متحسساً لأول مرة في حياتي وجوداً إنسانياً لائقاً وركضت إلى أمي أريها اسمي وأولاد العم أريهم واحداً واحداً وأوضح لهم باهتمام بالغ أن أصحاب التجمع ماركسيين ما عرفوش "يس" لكن هذا المنشور هو في حقيقة الأمر اسم عائلتهم المهووسة باستعادة ولو القليل من شهرة ومجد جدهم الفقيه سعيد بن صالح ياسين والذي كان مما بقي من رسائله إلى ولاته في اليمن الأسفل يكتب اسمه هكذا "إمام الشرع المطهر سعيد بن صالح ياسين" وبقيت أتحسر لكوني كتبت اللقب بالياء والسين القرآنية، واسأل هل ينبغي عليّ محاكمة سيكلوجيا مراهقتي وأقوم الآن بإدانة ما يفصح عن تهافت أو مباهاة وطموحات أسرية من ذلك النوع؟
وآل ياسين الآن يستمزجون بغبطة ما أقوم به يومياً باعتباره تحديات ياسينية شهيرة ولا يلقون بالاً لما تمثله كتاباتي أو محاولاتي الانحياز لكل ما هو عادل وإنساني أياً يكن ما تصل إليه هذه المحاولات على ما فيها من تشوش أحياناً، ومغالبة شخصية لهشاشة القلب الإنساني المولع أحياناً بشهرة أو بأمجاد تستحق الرثاء.
قد تحظى ببعض من الشهرة وأنت تقاوم زيف العصابة أو تكتشف مثلاً مقولة غريبة هي تعريف شخصي للأحداث الأخيرة مثلاً، كأن أفكر بكتابة مقالة تدور حول مفارقة أن "علي عبدالله صالح خلع أحذيته وتركها تحكم البلاد" وأجد أن هذه الجملة تفتقر للتهذيب ناهيك أنها تشي بالغضب واعتماد منهج الهجاء.
وهكذا أفقد لغتي وأتوقف أحياناً عن الكتابة عندما لا يعود لدي غير هذا النوع من التوصيفات التي تنطلق أحياناً من استياء شخصي له علاقة بالاستياء المزاجي وليس بنزاهة الكتابة أو ما يفترض أن تكون عليه هذه الكتابة من تبصر وتمييز. إذ أنهم ليسوا أحذيته بقدر ما هم صنيعته.
قبل أيام انتابتني حالة من التشفي وأنا أرى حشود السبعين يخطب فيها الرئيس السابق. فأدركت أنني ما أزال أعاني هشاشة المزاج اليمني أو الإنساني عموماً وهو يتكئ على هذا النوع من العواطف المفصحة عن حقد العاجز أو قليل الحيلة.
وتأتي مقولة لكاتب بارع هو نبيل سبيع يصف حشود السبعين هكذا: "السبعين الذي لا يملؤه الرئيس الحالي يملؤه الرئيس السابق" فأستعيد بهذه المقولة يقظتي قليلاً والقدرة على التخلص من حالة التشفي الساذج.
نحن نحاول التوازن في هذا المحيط المضطرب ونكتب ونسرد وكأن أحدنا شهرزاد تقاوم موتها كل ليلة بسرد حكاية جديدة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق