الثلاثاء، مارس 05، 2013

والآن يا إب


محمود ياسين

هل تنفذ مني الذكريات أثناء هروبي من مشاهد الذاكرة؟

أتذكر دائماً وأجدني بشارع العدين بإب أتنقل بين بوفيات بعد المغرب مرافقاً لضجر المدينة الشهير.. ومن فرط شهرة ضجر مساء إب أصبح له حضور تاريخي وقوة تواجد لا تنضب.

أسرد لكم هذا، وأفكر أنكم تتنظرون حديثاً حاذقاً عن عبدربه أو عن الجنوب، ولا أقول إنني تعبت، لكن هكذا تعمل الذاكرة متمسكة بشارع العدين والسوق "العلي" بفتح اللام وتسكين العين وكسر اللام وتعرفون كيف تسكنون الياء في آخر الكلمة.. ولو لم يتم نطق صفة سوق المدينة القديمة بتلك اللكنة لفقد السوق أمه المدينة القديمة وفقد أبخرة فاصوليا الدكاكين الضيقة، وصوت واحد إبي يصرخ في مغرب السوق العلي:" يابن الليطة" ومع أن الطاء ليس من حروف المد لكن مدّوا الطاء لتتذوقوا رائحة إب ولو كمجاملة لصديقكم الذي يحتاج هذه المرة أن تتذوقوا معه إب لأجل زمنه من أول ثانوي لثالث بين شارع العدين والسينما والفاصوليا وغرف المهتدي.

كان عبدالله المهتدي ضابطاً قديما و شهيراً بإب ما بعد ثورة سبتمبر وفي أيامه الأخيرة بنى هذه الغرف على جزء من إطلالة إب القديمة على ما تحتها من شارع الأوقاف أول شوارع إب ما بعد الثورة، والذي يتواصل مع ماضي المدينة بدرج حجرية تصعد بك إلى باب الكبير وعلى يمينك وأنت تصعد آخر خطوة من السلم الحجري رجل طيب عيناه جاحظتان لا يكف عن الابتسامة، ويقف في دكانه خلف صحون الرواني والبقلاوة يقدمها للطلبة المستأجرين غرف المهتدي في الجوار، يقدم طبق البقلاوة اللذيذ ويسأل وهو يضع الملعقة على الطبق "يدك مش نظيفة؟؟ مشيراً للعلاقة المسائية بين المراهق ويده ثم يقهقه لدعابته التي يلقيها كل يوم .

أذكره الآن وينتابني إحساس مبهم أنه قد مات كما ترحل الكائنات العزيزة وطيبة الأيام التي كانت.

كنت أمر على خليج الحرية وقد أصبحت صحفياً الآن متخاطراً مع نفسي حول ماذا لو صعدت المنصة الثورية وتقمصت شخصية مارتن لوثر كنج لأحدث أهل إب بصوته الجهوري "لم أعد أخاف أحداً، لم أعد أخاف شيئاً، ذلك أنني أرى بعيني الآن مجداً هو آت" أحمد الله أنني لم أفعل ذلك أنني أرى بعيني الآن زيف ما أتى من ثورة كان خليج الحرية محاولة من إب لتعي ذاتها من خلال الانخراط المبكر في ثورة جديدة قد تمكنها من تجاوز . مظلومية ونفي رموز إب عقب ثورة سبتمبر 62 .

لا أجزم هنا بتلك المظلومية والنفي، لكن وجدان إب يعيشها وكانت إب تبحث عن هوية تفصح عنها من خلال فعل كبير، وكلما عن لي المرور بساحة ثورة إب بعد تجاوزآخر نقطة في مساء شارع العدين التفت شمالاً لمحطة السميري المنزوية هناك تترقب بصمت .كنت أسمع إيقاعات قريبة من أول خيمة تحت جامع الغفران الذي لا تزال بقية من رائحة السلفية تنبعث من نوافذه. إذ كان جامع الغفران مركزهم المعادل لجامع عمر بن عبدالعزيز في آخر الشارع الذي كان فرعياً من شارع العدين حيث كان جامع عمر مركز الإخوان.

ألمح فتيان إب يرقصون تحت جامع الغفران وأفكر أن الشيخ محمد مهدي يرتبك من هذا الرقص إلى بيته القريب من جامعه الجديد وسلفيته الجديدة في الظهار.

كان التدين في الماضي يمنع الفتيان من لعب البلياردو وقام هذا التدين في الثورة يراقصهم مؤقتاً وقد اعتنق ميكافيلية السياسة.

ما الذي ترتب على خليج الحرية ومساءات خليج الحرية؟

ليس كثيراً ولا حتى الخلاص الثوري من نخاطي الأراضي حتى ولو أطال بعض ثوار إب من أبناء المدينة شعر رأسهم وارتدوا الجرمنديات.

لا أرجو هنا مسابقة تعز أو محاكاتها في الإفصاح عن الروح الأبية كأن أتلقى في الفيسبوك ولو نسبة خمسة في المائة من إشعارات كثيرة تنتهي بكلمة "انشرها بقدر حبك لإب" كما يحدث لي كل ليلة مع هذه الإشعارات التعزية.

نحن في إب أقل ولعاً باستظهار تميز هوية المحافظة ولا ندري لماذا؟ ولا كيف أرد أنا شخصياً على مقولة لنايف حسان وهو يسأل عن حادث وقع لإب وكأنه لم يقع فيها وعندما أخبره أنني لا أدري شيئاً عن الموضوع يقول لي "مالها إب هكذا مقعية؟"


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق