الثلاثاء، مارس 05، 2013

أيام "صيف"


محمود ياسين

كنت أثناء تجربة مجلة "صيف"، قد أصبحت بدرجة ما تلميذاً نجيباً لمعلمي التنمية البشرية الذين يقولون لك "تشجع لا يوجد مستحيل", هذا في الجانب العملي من تجربة المجلة، وأنا أحرص مع مجموعة نبيل قاسم ومحمد عثمان وأحمد السلامي، على إنجاز مطبوعة ثقافية ستوزع في الوطن العربي، ولطالما أصبحت في مقيل المجلة نسخة رديئة من طارق السويدان، أحاضرهم كل يوم، وبلا كلل، حول الطموح والتفاؤل، وهم يصغون بتعب من يجامل صديقاً، وليس رئيس تحرير، إذ كنت أيامها رئيساً أشبه بالقاضي عبدالرحمن الإرياني.

كان محمد عثمان معتداً بنفسه، ويرهقني كأي نزيه يملك رؤية ثقافية، ولا يملك أية قدرة على مجاملة رئيس التحرير. ولقد انتقى مجموعة من أهم ما نشرته "صيف"، وكان قد غادر في النهاية مستاءً من فكرة التسلط الرئاسي برمتها، كأي مثقف لا أبغض إليه من السلطة أياً تكن.

قامت "صيف" بحركة معقولة، واستعرضنا جانباً من قدرة اليمنيين على الإنجاز المختلف، وفي أذهاننا التفوق على مطبوعات مؤسسة دبي، ونحن لا ندري من أين نجلب ثمن العشاء.

هذه التجربة تستدعيني لأتملى أياماً وزمناً ذهنياً مستقلاً كلية عن السياسة، وكان بوسعنا التواجد من خلال رؤية وعروض مدهشة بين غلافي "صيف" الأنيقة الملساء, وأحمد السلامي هناك ما يسترد خبر منغصات القلوب، وجاهز على الدوام للتفهم وغفران نزعات البشر، وتفهم حاجتهم لتأكيد الذات.

شاعر بحجم أحمد السلامي ومهاراته بيّن لي هو الآخر كم أن أشياءنا ضائعة في جلبة السياسة, وكم أن المجلات تمنحك دفء القطيع، وتجريب الأشكال المتعددة للتفكير.

أمر الآن تحت العمارة التي بها مقر "صيف" في الزراعة، اسمها "المروج الخضراء"، تخضع الآن لشريعة بين المالك ومدير العمارة أو مؤجرها الوسيط أو شيء من هذا القبيل. وتخطر لي المكاتب الرصاصية والحمام المسدود ودولاب محمد عثمان الخشبي، والمتكأ قرب الباب، حيث كان نائبي العظيم نبيل قاسم، يقطن، كامناً بمزحاته المريرة. وأتصور وأنا أمر من باب العمارة، أن قهقهات نبيل قاسم تردد بين الجدران، وحيث كان نبيل الشيطان الذي لا يمكنك إلا أن تقع في غرامه، متوسلاً الاقتراب من هزئه الكهنوتي المتعالي تجاه عالم لا يريد منه الاعتراف بموهبته الفنية، ولا يتطلب منه جنساً، ولا فرصة يهتبلها نبيل ليرضي بها محيطه الاجتماعي, إذ تمكن هذا اللعين من تفكيك محيطه، والتجول هكذا خفيفاً وودوداً وشريراً كامل الضربات.

بقي أحمد السلامي يجهد في لفلفة "صيف" مثل رجل وحيد يحاول إبقاء زوجته المريضة بالسرطان على قيد حياة أصبحت متعذرة. وكان عبدالمجيد التركي يردد على الدوام أن "صيف" ستستمر، متكئاً على روحه المتفائلة التي يعزل واقعيتها عن قلق الشاعر الأصيل داخله.

أصدرنا 8 أعداد، والتاسع بالمطبعة إلى الآن، لا أدري ما الذي يفعله في المطبعة كل هذا الوقت.

أغرقتني المجلة في الديون، وكان الوزراء يقولون تلفونياً؛ انشر تهنئة على طول، ولا تزال كل الوزارات مدينة لنا للآن، والوزراء الذين الآن خارج السلطة أصبحوا أوفياء جداً، ويسألون بجدية رهيبة "ما صرفوش لكم حق التهنئة؟"، فأهنئ الوزير بالعافية، وأدعو له بحسن الخاتمة، محدقاً بصمت.

سمعت مؤخراً أن تعويضات تديرها نقابة الصحفيين، لتحصل المطبوعات التي توقفت أثناء الثورة على تعويضاتها العادلة، وحينما أسمع بعض الأرقام التي قدمتها بعض الصحف التي لا يقرؤها غير أقارب الناشر، وتتجاوز بعضها 200 مليون ريال، أهمس لنفسي: تعويض صيف تتفق النقابة بشأنه مع صاحب العمارة التي فيها أثاث المجلة يخرجونه ويعملوه استراحة في النقابة أو مقهى نت. ومبلغ للمخرج الأول خالد الحبيشي؛ الفنان المتوتر كأي مبدع بلمسات إخراجية رائعة، ومسدس تحت الحزام. الأهم من ذلك كله تعويض الرائع محمد عثمان، مدير التحرير، الذي رحل تاركاً جزءاً من حقوقه، وغصة في نفسي تجاه خسارتي لثقة كائن بنزاهة عثمان.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق