السبت، أغسطس 24، 2013

مهزلة جديدة في إب


محمود ياسين

غياب الدولة يعيدنا لأمراضنا التاريخية قسرا، ويدفع أحدنا للكتابة الملتاعة التي لا تخلو من التعميم، لكنني قد أبقيها هكذا ردة فعل بكل الذي فيها من ضروب التفكير بصوت عالٍ، والانفعال المقسوم بين المواطن الإبي والكاتب.

اللعنة على تاريخ النخيط هذا الذي يعزز حضوره بالعصبوية في إب، هذا إذلال لأي حر يتجول في إب، مدركاً أن عليه تجنب عائلات بعينها عرف عنها التفرغ لعصبوية الترويع واستقدام مقاتلي القبيلة الأم من مطلع، وعلى أبناء إب الإذعان لهذا النوع من الإرهاب التاريخي، ولطالما أهين إنسان إب من هذه العائلات، وتم اختبار آدميته ورجولته بقسوة.

ليس الحجري وحده، لكن كل المحافظين اختلفوا في مستوى علاقتهم بالفساد أو بالناس، وهذا متواضع، وذاك متعالٍ، ومحافظ فاسد، وآخر أقل فسادا، لكنهم جميعاً أذلاء أمام العصبويات العنيفة التي لم تحترم إب يوماً، ولم تقبل الذوبان في الخضرة والزرع وأخلاق المسالمة.

لا أفظع من خيانة سلطة تترك مدينة لقدرها، وإما يتحول أبناء إب لعصابات مضادة، أو يتم تركيعهم بلا هوادة.

نعرف "بيت مارح" أسرة تتاجر بالديزل، وتحاول البقاء بقيمتها بين الناس، ونعرف جنوح "بيت ضاوي" للعنف والدم، ونبني على هذه الفرضية المتعارف عليها، وكل شهر أو شهرين تقوم مجموعة عنيفة بإجبارنا على التورط في لكنة مناطقية، ذلك أنها متجذوة كمظلومية في التاريخ النفسي لإب، مثلما هو النخيط العنيف متجذر في روح القادمين الذين حاولنا بصدق اعتبارهم أهلنا.

ما يحدث في إب إشارة بالغة الخطورة لعودة أزمنة الفوضى التي عاثت بكرامة إب مناطقياً، وإشارة لهادي ليدرك أن وقوع الأقاليم تحت رحمة هذه المجاميع، يجعل من رئاسته نموذجاً مماثلاً لإمامة كل الضعفاء الذين مروا بتاريخ حكم صنعاء، حيث كانت الوضعية التي تعيشها إب المقياس الأول لمدى ضعفهم كدولة مركزية.. أقنعونا أن "بيت مارح" هذه المرة هم المعتدي، لنشعر أن شيئاً قد تغير في سيناريو الإهانة، وعلى خطورة وقوع ضحايا واشمئزازنا من الدم ابتداءً، غير أن للأحداث في إب أثرها التاريخي المهين.

لا يريدون لإب ولو أن تنسى، أنا هنا لا أعمم، لكن الخطأ المستقوي ينعش ذاكرة مثخنة بالأسى والاشمئزاز.

ثم يصل خبر جديد.. خبر إحصائي يبين أن القتلى 3 من "بيت ضاوي" مقابل واحد من "بيت مارح".. وردة الفعل على هذه النتيجة تفصح عن عمق أزمتنا كمواطنين من إب، وكمثقفين لا ينبغي علينا أن نكون من إب فقط، إذ إن الفرح الغبي بتفوق "بيت مارح" يفصح عن سذاجة عاطفية، وشكل من البدائية.

ورغم صعوبة أن يبرأ أحدنا من أمراضه الاجتماعية، غير أن الأمر هنا في حكاية إب منذ زمن، وارتباط بعض العائلات بالعنف أكثر من غيرها، ولا ينبغي لنا هنا محاكمة هذا الإرث الآن، وإجبار "بيت ضاوي" على دفع ثمن الميراث كله، إذ إن المهمة هنا بالدرجة الأولى مهمة دولة يمثلها المحافظ الذي أرسل لي ذات يوم استقالته، ونشرتها على حائطي في "فيسبوك"، ثم عاد للعمل، ليس دون أن يبين لي أسباب عودته، فما أنا إلا كاتب صحفي ربما تمكنت كلماتي من ملامسة شيء في وجدان المحافظ، فأرسل استقالته إليّ، متزامنة ربما مع إرسالها للرئيس، لكن كان عليه أن يبين للناس كيف أنه اكتشف أسباباً للبقاء، ولو مع رفض الرئيس للاستقالة، إلا أنها مرتبطة بجملة أسباب لم تتغير ليغير المحافظ من قراره بالاستقالة.

حديث الاستقالة هذا حديث عرضي خارج المتن، وهو حكاية انهيار المنظومة الأمنية كلياً في إب، ومحاولتنا جميعاً الترفع عن أية مناطقية، كما هي محاولتي الشخصية في هذا النصف الثاني من المقالة لأعود لفكرة "بيت مارح" و"بيت ضاوي"، على أن الأمر ليس مرهوناً بالنتيجة (3/1) لصالح طرف محسوب على أحد، فالجميع محسوب على محافظة متروكة لمصيرها، وإن كان بعضهم لا يزال يتصرف على أنه من مطلع، مستعرضاً عضلاته المطلعية بالنكف، واستقدام المقاتلين لإهانة المدينة أكثر.

وعلى أن العسف الآن والتجاوز هو في محاصرة "بيت ضاوي" لمنازل "بيت مارح"، وترويع عائلاتهم، بينما نحتاج نحن كصحفيين لعملية فصل بين عاطفتنا المناطقية وموقفنا المبدئي من العنف أصلا، ناهيك عن حاجتنا المستمرة لمناشدة رئيس الدولة التدخل ضمن كلمات معبرة، وكأنه الأمين العام للأقاليم اليمنية المتحدة.

السؤال يبقى يلح: أين أنت يا قاضي؟ كيف تعود كل ظهيرة لمقر إقامتك بـ"جبل كاحب"، تنتشي بالقات، وتمنح أطفالك "جعالة" لا أدري إن كنتم تسمونها جعالة في "الرضمة"، بينما يتلقف أطفال مارح البارود ودموع الأمهات!

ولربما لو وجدت هذه المجاميع العصبوية التي ندينها بالإرث العنفي التاريخي، لو وجدت دولة وقانوناً لما انجرفت للعنف، ولما عادت للاستقواء بجذورها الاجتماعي.

الدولة وقوة القانون العادل ضمانة وحيدة لذوبان الإنسان وتكيفه ولو قسراً مع البيئة التي يحيا فيها.

ستكون كارثة لو كان علمي بالنتيجة (3/1) هو ما لطّف لهجتي وعقلنها قليلاً في بقية المقالة.

يفترض أن جميعهم مواطنون يستحقون حماية الدولة من الظلم ومن النزق الشخصي.


حتى كتابة هذا لا يزال "بيت ضاوي" يحاصرون منازل "بيت مارح"، ويحاولون اقتحامها، ونساء "بيت مارح" يرسلن نداء الاستغاثة بالتلفون.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق