السبت، أغسطس 24، 2013

مرة أخرى..من أين لك هذا..؟


محمود ياسين

تدور بلادنا على طاولة مجموعة لم يعودوا مقامرين نزيهين حتى، لكنهم يلعبون باتفاق مسبق على أن يربح الجميع.

لقد كان الفساد منظماً أيام علي عبدالله صالح، وهناك مستوى يحدده هو، وقد يقول لأحدهم: كفايتك لهنا.. لكن الآن هناك راحة فسادية وجو مفتوح ليأخذ كل فاسد ما تطال يده.

تتجه الرقابة أو المتابعة العامة والشعبية صوب الأداء السياسي، وطبيعة التحالفات القديمة، وكيف أصبحت جديدة، ناهيك عن ماهية العلاقة بأمريكا، أو أين وصل النفوذ والسيطرة السعودية داخل البلاد، تاركين المال العام يواجه قدره مثل فتاة بائسة ودفت في فرزة بين مجموعة من سائقي الشاحنات.

نسمع فقط أخباراً سيئة إضافية عن حالة انهيار مالي في الخزينة العامة، واعذروني إذا استخدمت جملة انهيار مالي كتوصيف غير دقيق اقتصادياً أو اصطلاحياً، لكنه التوصيف المتاح للحالة القائمة، حيث يتم أخذ 150 مليون دولار شهرياً من الاحتياطي النقدي، لسد ما لا تدريه من أبواب الإنفاق.

هذه الـ150 مليون دولار لا تأتي هنا كتهمة في أن المبلغ يذهب لجيب أحدهم، ولكن الرقم يأتي هنا لتوضيح فكرة الانهيار المالي العام، بينما تتم عمليات النهب بطرق أخرى، وليست هكذا مباشرة من الاحتياطي النقدي.

ونحن قد وصلنا لهذا النوع من الاستباحة العامة في ظرف عائم رجراج قابل للتشكيل السياسي وإعادة هذا التشكيل، بينما يغنم النهابة فرصة الخلوة بالمال العام في أجواء كهذه، وحيث يصبح التقييم لمن مع الثورة أو من سبق في الانضمام، وعلى من يحتسب الوزير، أو من كان وراء تعيين رئيس المؤسسة، لكن لا أحد يطرح ذلك السؤال القديم ولو من باب إسقاط الواجب: "من أين لك هذا؟".

أعرف هنا أن لغتي تتردى كلما كتبت في السياسة، وها أنا أستخدم "إسقاط واجب" التي كنت أعتبر استخدامها دلالة على الضحالة وضيق الأفق.

لكن من أين تأتي بلكنة أنيقة وموحية من ذلك النوع الذي يفتنك وأنت تتحدث عن حالة لا تدري كيف تزدريها، ولا كيف تنبه لخطورتها.

وكأننا متواطئون جميعاً على طيبة النفس تجاه لصوصية هذه الأيام، وتجاوزاتها المالية التي تورث عسر هضم مزمناً.

ذلك أن من الأخبار التي تجعلك تحدق في السقف بقية اليوم، يأتي عبر اتصال من زميل في صحيفة "الثورة"، يخبرك أنهم اشتروا 3 سيارات بـ50 مليون ريال من إيرادات الصحيفة، وأقول يفترض أن حساسية تجاه هذا النوع من الممارسات ينبغي لها أن تحكم تصرفات القيادة الصحفية الجديدة، التي تسلمت مكاتبها من مجموعة بجاش والمسعودي والصعفاني، الذين غادروا الثورة الصحيفة بدون سيارات من هذا المستوى الثوري الجديد الأكثر صلافة وكلفة.

حكاية الـ50 مليوناً هذه، هي حكاية صغيرة في محيط من مرويات النهب الهائل الذي أؤجل أسماء أبطاله هنا بسبب عدم وجود دليل الآن على الأقل، غير أنهم يعرفون أن هناك في هذه البلاد لا يزال أناس يملكون أصواتهم، وسيخبرون الناس بتفاصيل الاستحواذ على المال العام.


وربما تكون الإشارة للـ50 مليوناً هي من قبيل لفت انتباه الإدارة الصحفية إلى أن الصحافة صوت الناس ضداً للفساد "وإذا بيت الله يوطل خواري، وأين الكنان؟".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق