السبت، أغسطس 24، 2013

أيام الفولاذ


محمود ياسين

هو فقط منطق العدل الذي نحاوله، وعاطفة الرحمة. ذلك أن الدم المتدفق من عنق ملتحٍ ليس دم ديناصور.

ولعل كراهية شخصية للمتشدد الذي يلاحق كلامنا بطريقة ما منذ وعينا العالم، قد استجمع طاقته للخروج من قاع الشخصية العربية المثقفة، ليضرب رأس الإخوان بالرصاصة أو بالتشفي. أما السيسي فلم تكن أسباباً شخصية ولا كراهية للمتدين بقدر ما كان دافعه اهتبال لحظة تاريخية، وتحويلها لمجد يسميه حماية مصر.

لسنا جميعاً على مقاس الديمقراطية الآن، ونرفض بأكثر من طريقة دفع ثمن الديمقراطية التي لا تثق بالخيار الشعبي.

شخصياً، لم أكن أحب أن يفوز الإخوان، ولم أحب يوماً طريقتهم في النظر لأمور الحكم، لكن كان علينا جميعاً الإذعان للتجربة بكل ما عليها من تحفظاتها الشخصية، ناهيك عن أنه أصلاً عليك فهم فكرة التسامح أو الديمقراطية على أنها القبول بالآخر الذي لا تحبه.

أنا واحد من الذين يمقتون تعداد مساوئ أو عيوب الضحية الآن على الأقل.

إذ كيف تحصي عيوب إنسان يتعرض للاغتيال أو جماعة تتعرض للإبادة بتهمة الفشل في حكم بلد مثل مصر.. ذلك أن لا أحد حتى من ألد خصوم الإخوان يعرف لهم الآن أو يتحدث عن تهمة غير الفشل في الحكم، والبقية تهم متداولة تدور حول الجذر الجهادي للجماعة، وتفريخها لجماعات العنف.

وهذا ليس ما نبحثه الآن, إذ كان لدينا طريق صعب بعض الشيء عقب ثورات الربيع العربي، حيث بدا أن الإسلاميين يتصدرون ليس المشهد، وإنما القدرة للوصول. وقد وصل إخوان مصر تحديداً، فتكهرب جسد الدولة المصرية، وانتهى الأمر بانقلاب ومذبحة، وبدأت أيام الاستئصال على نشوة الجيش بما يظنه نصر ميدان رابعة، حيث تمكن السيسي القائد العظيم، من دحر آلاف المعتصمين العزل بمجنزراته، تاركاً لنا سؤالاً أخلاقياً يدور حول النذالة الأصيلة في قلب العسكري إذا تسيس.

ألفا إنسان ذبحوا أمام تصفيق البعض للسيسي، مثقفون كم كنت أحبهم يقولون "لا لا نجيز القتل رغم ورغم، لكن السيسي سيعيد أمجاد ناصر", يقولون إن الموقف الغربي ليس ضد المذبحة، وإنما هو محاولة لكبح نهوض مصر, وليس من حق الإخوان الحصول على تضامن ممن يعتبرونهم أعداء، وهو في الأصل موقف إنساني لا يخضع لموقف الضحية منك.

يا للنهوض العظيم على الجثث التي تفحمت ودموع الفتيات وشعرهن المدهون بدم الأخ والزوج الذي اختطفته قذيفة.

لقد عرفتني أحداث مصر بتوجهات أغلب من كنت أظنني أعرفهم من مثقفي اليمن.

الأمر ليس مبدئياً في الغالب, وأصادف الرجال المحترمين كما هم يشبهون الإمام علي متعرفين للرجال بالحق وليس للحق بالرجال.

علوي السقاف ونبيل سبيع ونائف..

كنا نقول: "كيف فضوا الاعتصام بسهولة؟".

لم نكن نعرف ما فعلوه بهم، استخدموا البلاطجة جنب الدبابات, وكان بوسعهم فض الاعتصام بخسائر أقل، غير أنهم تعمدوا إحداث صدمة بالغة العنف.

يدافع البعض عن العسكرية المصرية على أساس من كونها تشبه مؤسسات عسكرية في العالم تحمي نمط الحياة الديمقراطي كما هي في الولايات المتحدة مثلاً, لكن الفارق ليس فقط في أن جيش الولايات المتحدة لم يذبح مواطنين معتصمين، لا. الفارق أن تلك المؤسسات العسكرية المنظمة تصعد بموازاة مؤسسات الدولة والمجتمع ضمن أداء متناغم يحدده الدستور. بينما تعمل المؤسسة العسكرية المصرية الآن، وقد استخدمت وجودها المنظم، مفارقة لقوى المجتمع، ومستأثرة بقوة التنظيم والسيطرة، وستلقي بظلالها من الآن على الحياة السياسية في مصر، وتضبط أداءها وتوجهه، مكرسة سيطرة كاملة على خيارات مصر ومحددات علاقتها بالمحيط والعالم، كونها القوة المنظمة الوحيدة والقادرة على الفعل، وإزاء قوة منظمة أخرى تحاول دفعها لماكينة الإرهاب، وتعمل على استئصالها بهذه التهمة.

دولة بوليسية سيحبها الناصريون إلى حين.

قضى السيسي على إنجازات ثورة يناير.

أعاد الهراوة ليد الشرطة، وأضاف لها قناصة أيضاً.

أعاد قانون الطوارئ، وأضاف إليه دخول المجنزرة إلى ميدان مصر.

أعاد الإعلام إلى ما قبل يناير وما قبل مبارك حتى، وحوله لتوجيه معنوي تابع للجيش.

المحافظون ضباط، والبرادعي خائن، وحمدين يحدق بصمت.

حاول مبارك فض الاعتصام بالجمل، ففضه السيسي بالدبابة.


زمن جديد بنكهة الفولاذ.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق