السبت، يوليو 27، 2013

لا أشعر بالرضا..


محمود ياسين

لم يعد لكلماتنا أكثر من ذلك الترداد لعرض جملة متاعب تبقى متاعب يمنية، وأنا هنا مستميت في نبذ اليأس، لكني أتحدث هنا كيف أننا لم نغير شيئاً في جذر حياتنا.

لقد كان على الناس تغيير النمط، وليس تغيير الزعيم فحسب، ذلك أن نمط تفكيرنا لا يكف عن إنتاج ذات الزعيم، ولأننا نرسم وجه الحاكم على حائط حياتنا بذات الأدوات.

كنا لنكون أفضل لو استخدمنا الساحات لانتزاع العنكبوت من ذهن اليمني، ودفعه لتمجيد فكرة الحياة المبهجة والرافضة باستمرار لأشكال القمع العائلي والكبت الجنسي.

ساحات تكتشف أثناء سعيها لتغيير زعيم، أن عليها تغيير ملابسها الداخلية، وعلاقتها بالفن والكتب والمرأة وأمكنة الانتماء والاستقطاب لصالح المعنى الإنساني الحافل بدنيا مفتوحة للتجريب على أكثر الطرق حداثة ومجازفة.

حاول إحصاء المصطلحات الجديدة التي نزلت على حياتك منذ حلم التغيير في الساحات، ستجد أن المصطلح الأكثر رواجاً هو كلمة "عفاش"، وهي الاصطلاح الناجز لتعريف كم أننا مرضى حقاً متمسكون بأعتى أمراضنا على أنها ثورة.

لا تقل لي إن مصطلح "الربيع العربي" أو "تغيير" إضافتان مهمتان للعقل اليمني، ذلك ضرب من التجديف، وكان الحلم أن يتداول اليمنيون مصطلحات وتقاربات الكتب والنظريات، وأن يصبح لمارتن لوثر كنج وصورة وهن جسد غاندي، حضور في دفع العقل اليمني لنبذ التمييز، ولتمجيد قوة الخلاص الإنساني وحكاياه المؤثرة.

لقد كنا واقعيين لدرجة استخدام كل أدوات واقعنا المتخلف، فمنحنا هذه الحالة الواقعية جداً، والتي أصبحت الآن أشبه بحالة من الإحراج لرجل ذهب إلى المحكمة للمشارعة، وعاد بحكم لا يمنحه حقاً، ولا يرتب له وضعاً جديداً، لكنه عاد بحكم مكتوب على ورقة ثخينة صفراء يطويها في جيبه كما تطوى الأحكام عادة، مخبراً نفسه كل ليلة أنه عاد بحكم.

الأحلام لا تسقط بالأخطاء ولا بالتقادم، ولا بحيلة الخصوم، أظن أنه لا يزال بوسعنا الحلم مجدداً. فيما عدا هذا الأمل، فيمكن أن نقول الآن إن الثورة أفضت لوضع "زي الزفت".

لقد تمت خيانة الشهداء، ولقد صعد الانتهازيون، وتحولت الوظيفة لمحاصصة غبية، مستنفدين كل ما تطاله أيدينا من موارد الحلم بدولة أفضل.

لأن ثورتنا من البداية كان عليها أن تكون ضد نمط، وليس فقط ضد شخص. ولقد ذهب الشخص، وبقي النمط.

نمط النهب والهدر والاستحواذ، وكأننا قمنا بتفتيت الكتلة الصلبة القبلية العسكرية إلى مجموعة كتل على مساحة من الوهن الكلي والضياع، وصعود كل أمراض وعينا الباطن من مناطقية وسلالية.

لقد شارعتم يا رفاق الثورة، وعدتم بمطوية (حكم) اسمها المبادرة. ولقد ثرتم بطريقة قروية تشبه إنشاء مدرسة لتقليد مدنية التعليم من أقرب المدن إليكم. لكن في الغالب يتسرب القرويون من مدرستهم في صف سادس، مكتفين بذلك القدر الذي يؤهلهم لشخمطة أسمائهم على أبواب البيوت، وكتابة الرسائل من غربتهم.

ندور حول أنفسنا، ونقول هذا ليس ثورة، وليس صالحاً للاستخدام الآدمي، ونراقب المصريين مثلاً، ونود لو نستمر مثلهم، ولو ارتكبنا بعض الأخطاء. وتخطر لي قصة الحمار الذي كان يتفرج على التلفزيون، متابعاً مسابقة لمضمار الخيول، حيث القفز على الحواجز، فتنهد الحمار قائلاً: ليتنا كملك تعليمي.

لا أجرؤ هنا بالطبع على تشبيهنا بالحمار، مع احترامي الشديد له. فهو كائن أصيل، وليس غبياً كما يتهمه البشر، إذ أثبتت الدراسات الحيوانية أنه ليس غبياً، ناهيك عن أن ذكرى جيدة للحمير في ماضينا القروي ونحن نلقي عليها ثقل حياتنا البدائية.

لكن الأمر هنا هو أننا ارتجلنا محاكاة ثورية، وتقليداً ربيعياً، ولم نكمل, وكنا راضين منذ البدء، لذلك لم نقترب من العنف الثوري، وذلك جيد، لكنه أيضاً يفصح عن رضا أصيل في كينونتنا التي لا تجرؤ على الصراخ: لا أشعر بالرضا.

وهذا اللارضا هو حقيقة ما نكنه تجاه الوضع القائم الآن، والمزاج السياسي الذي أنجز تغييراً لمقادير واستحقاقات اقتسام الثروة والنفوذ...


قد لا يتمكن الحمار من إكمال تعليمه، لكن القلب الجيد لا يفقد قدرته على الحلم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق