الجمعة، سبتمبر 20، 2013

أهذا قسمك الدستوري بحماية البلاد؟


محمود ياسين

أي حكمة سياسية في الاحتيال على فك الارتباط بمقترح فكفكة البلاد إلى أقاليم؟

هذا خطر للغاية، ولن تخضع الأقاليم كما تعتقد فخامتك لفيدرالية حول الدولة المركزية.

ذلك أن الأقاليم ستكون الوعاء الأمثل لكل النزعات البغيضة، وستتفتت اليمن لنستيقظ يوما بلا وطن.

وأن يتبنى رئيس الدولة مشروعا كهذا، فذلك يدفع بعضنا للإحساس بهلع ذلك الجندي الذي يراقب الحل على هيئة تمزيق كل الذي قاتل من أجله يوما.

ولقد عرف تاريخ العالم أن الأقاليم قبل الدولة، وليس بعدها.

وبعد 20 عاما من الوحدة في دولة بكل ما فيها من سلبيات، يكون الحل هو أقلمة البلد الذي سيترتب عليه إفناء هذا الكيان، وإبادة اسم اليمن لتتحول لذكرى نسردها بأسى ذات يوم.

لقد حاول أغلبنا التبرؤ من مقولة "الوحدة أو الموت"، لنسمح بالمقابل بتقسيم البلد وفقا لمزاج فشل سياسي لم يعد لديه غير هذا التقسيم فرارا من تبعات مسؤولية الحل والقرار.

وأي حل هذا الذي نجد فيه خريطة جديدة لمجموعة كتل بينها حدود في إطار حدود يمن قديم كان يوما يقع جنوب الجزيرة العربية.

يرقى هذا الحل لمستوى الخيانة، حيث نجد روائح المناطقيين والسلاليين والسلاطين وأمراء الحرب، تنبعث من أجزاء كانت يوما وطننا، وأصبحت كيانات مناطقية تحت مسمى الحل.

الحل الذي لا نجد فيه اليمن.

ولطالما حاولنا التخلص من ذنب "الوحدة أو الموت"، عن طريق الرضوخ لكل ما من شأنه انتزاع الوطن من حياتنا، ودفعنا للهاوية، مع أن تفسيرا آخر لمقولة كتلك لا يعود فيه الموت تهديدا بوجه من يريد تفتيت البلد، ولكنه الموت الذي يلامس أكبادنا كنتيجة لذلك التشظي، حيث يموت يمنيون كثيرون أثناء قيام الدويلات، وتموت اليمن كدولة وهوية ووطن.

يشبه الأمر أسلوب بعض القبائل البدائية التي لا تجد حلا في الأخير غير قتل الأم المريضة، ومن ثم الاقتتال على رفاتها.

ليس هذا انتقاء للرئيس، فهو وإن كان واحداً من مجموعة تعمل على الأقاليم بدأب، وهم أحزاب المشترك وأنصار الله أيضاً، غير أن تعويلنا بالدرجة الأولى كان عليه في حماية هذا البلد من التجريب الفيدرالي الذي يشبه الآن، وبهذه الظروف التي يعيشها البلد، ومدى سماكة قماشة تكوين اليمن، وقوى جذبها كما تقول أروى الخطابي. هذا كله يجعل من الفيدرالية تقسيماً قاطعاً للبلد الذي إن تفدرل أقاليم، وهو بهذه الحالة، فستقتتل الأقاليم على كل التفاصيل، ذلك أن باعث هذا المشروع هو حل استرضائي يستجيب لنزعات المطالبين به، وهم -باستثناء الحراك- لا يمثلون رغبة الجماهير، وإنما طموحاتهم السلطوية الصغيرة.. والكارثة أن الأقاليم مشروع بديل للفشل الذريع، مع التأكيد هنا على أنه حتى ممثلو الحراك لا يمكنهم ادعاء تمثيل جوهر إرادة الإنسان الجنوبي الذي لو لامس دولة عادلة وحياة كريمة، لربما كان مفارقاً لهذا السقف الذي يأتي مستواه في جانب منه استجابة لما تطرحه تلك القيادات التي بدورها تحاول تملق ما تظنه السقف العالي والمتعذر معه أي حل في إطار الدولة اليمنية الواحدة.

الكارثة أن مثقفين يتبنون هذا المشروع، إلى جانب الرئيس والأحزاب، منظرين لحدود ولخرائط يتم نشرها، تظهر كتلاً ملونة بين أقاليم تشعر وأنت تتأملها أن جوهرك التاريخي يندثر بين هذه الكتل، وأنت تدرك أنه لا مستوى وعينا ولا استعداداتنا ولا ضمانات من أي نوع، قد تفضي لفيدرالية فعلية تبقي بلادنا وطناً، ولكنها حيلة متواطأ عليها بين مجموعة من السياسيين والطامحين المفتقرين للمضير الوطني، وللكفاءة.

أي أحزاب هذه التي تشارك رئيس دولة وممثلي جماعات في مؤتمر حوار، أطروحة أقاليم، وترديد كلمة فيدرالية هكذا بيأس من عجز أولاً، ومن استجاب ثانياً لطموحات القادرين على إقلاق هذه الدولة المريضة، عن طريق الرضوخ لفكرة نعرف جميعاً أنها لن تفضي لغير إزالة اسم اليمن من قائمة الأمم المتحدة والتصنيف الدولي، وإلحاقها بكتب التاريخ.

إذا كنا نعيش حالة استقلال من نوع ما عن الدولة المركزية، ونحن ضمن هذا الكيان الموحد المعلن، فكيف سيكون الأمر وقد منحت كل النزعات الجهوية والمناطقية مسمى سياسياً لا يضمن بقاءه مورد اقتصادي لا يمكن لأي من هذه الأقاليم الحياة بدونه، ولا يضمن بقاء الفيدرالية إلا الرغبة الملحة في استخدامها كذريعة لسلطات تمثلها مجاميع مدفوعة ضد بعضها بكل نزعات الاصطدام والقطيعة، ولا تتمتع هذه الكيانات الراعية للأقاليم بأي مزاج فيدرالي سياسي البتة، وأمر استقلاليتها الكاملة ونزاعها مع البقية هو أصلاً جوهر وجودها.

الحل مسؤولية إصلاحات وشجاعة قرارات مؤلمة ومكلفة في طريق العدالة وإعادة الكرامة وإحساس المواطنة المتساوية الواثقة بدفء الدولة ورعايتها.


أما أن نفني بلادنا هكذا، وبهذه البساطة، فذلك ما يجعل البعض يستشعر مبكراً أنه بصدد هاوية جماعية كواحد من شعب مدفوع بأيدي مجموعة من العابثين إلى مصير تختزله كلمة واحدة هي الشتات.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق