الأربعاء، نوفمبر 03، 2010

الحقيقة تسجن

محمود ياسين


أدري عندما أكون حقيقياً – أشعر بذلك- ربما لا حقيقة كاملة ويمكن استبدال الجملة الأولى (أدري عندما أكون جيداً) أكتب ما يعنيني بالدرجة الأولى ولا يعود بالضرورة أن أروق..


أذكر أن أحدهم بقى يُعلِّم إبنه في فيلم أمريكي كيف أن الحقيقة تحررك – وأثناء ورطة الفتى في خطأ انتهى به للمثول أمام القاضي. كانت الحقيقة التي سيعترف بها ستورطه في ثلاث سنوات بسجن الولاية – كانت الحقيقة ستسجنه..

إقترب الأب وهمس في أذنه: لطالما علمتك أن الحقيقة تحررك.. لندع للكذب أن يقوم بهذا مؤقتاً..

تتحول النزاهة إلى جهد ولستُ أنا النزيه الذي يسرد بعضاً من حكايته مع النزاهة غير أنني أحاول أن أكون جيداً – أن أكتب ما ليس بالضرورة كراهية السلطة تلك الكراهية التي أدمناها كمهدئ – عقار يقربنا من ذواتنا.

نكتب متبرمين على الدوام – وتتحول المواقف السياسية إلى ما يشبه أزمة وجودية يعيشها الرجال الموجودين على عاتق أخطاء الآخر – النافذ المستحوذ العسير على الإنصاف.

حتى المشروعات الروحية لا تكفى للتواصل مع الرجال الموجودين على عاتق أزمة الآخر الذي هو نحن.

لا نباهة في إيضاح فكرة أن في كل منا آخر –هو جحيم لفكرة مقابلة يعتقدها جحيماً ويدين بوجوده لوجودها– أظن هذا ما تعنيه الوجودية في تعريف الجحيم على أنه ليس الآخر الذي ينال منك بقدر ما هو الآخر الذي يمنحك وجودك.

وبنوع من التبسيط – هل السلطة معسكر الشر ونحن الأخيار.. يعتقدون بدورهم أننا فقط لا ندري كيف نصبح أشراراً وأن لذلك علاقة بالذكاء والتفكير بواقعية.

ثم إن الكثير مما نكتبه قوائم اتهام يعترفون بثلثيها على أنها حقائق ويتكئون على ثلث الأكاذيب في التخلص من القائمة برمتها... ناهيك عن حقيقة التواطؤ على أن الأمر برمته اختلاف وجهات نظر حول الطرق الملائمة للنفوذ وعلى أنهم اختاروا البساطة في الحصول على ما ليس منهوباً بأكمله – بعضه حقوق وبعضه حوافز واقعية والبعض الأخير مقابل تخليهم عن الرومانسية التي تورطنا فيها أثناء عملية اقتسام الموارد القليلة... هكذا يعتقدون ربما-.

لا يمكنك في هذه البلاد محاكاة نظائر الخير والشر – كما في الروايات ومقولات الانتهازي الحقير مقابل الشريف عاثر الحظ.

عادة ما يقدم الأول تنازلات أخلاقية للوصول. فيما يلوذ الآخر بالشرف والمقولات. الأول متأنق بابتذال والثاني منكوش الشعر وغاضب على الدوام..

ليس الأمر هكذا عندنا – يبقى المبتذلون المتنازلون أخلاقياً حالة وموضوع يصلح لرواية لا ينقصها النظير المقابل – الملتزم الإنساني كسامي غالب مثلاً...

غير أن الأغلب ليسوا محجوب عبدالدايم ولم يقفز أحدهم من رواية (القاهرة 30).

ليسوا الآخر الشرير المتنازل أخلاقياً فأغلبهم يعيش بسيكيلوجيا ابن الناس – المتعاون الوفي لأصدقائه.

شخصية أقل تعقيداً من فكرة الخير والشر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق