محمود ياسين
أذكر الرياضيات ولا أصدق إلى الآن أنني نجحت فيها بخمسين درجة – وكأن مدى هلعي من نتيجة الرياضيات قد جنبي الكارثة كنوع من ألطاف الله.
في البوفية أقضم سندوتش الفول وأنا وجل من الرياضيات وعلى مقاعد احتياط فريق الصف وأنا مهموم بعجزي في الرياضيات والجا والجتا وماذا تعنيه الظا والظتا..
في السينما وأنا عاجز لا أدري ما الذي أصنعه مع الرياضيات- حصص كثيرة وأنا صابر عاجز لا أشاغب ولا أخطب ود أحد؟ كنت فقط قلباً يلهج بالنجاة..
خطر لي مرة أو مرتين لا أكثر في باب الحمامات تحديداً أن أحِّول أدبي- غير أنهم جميعاً كانوا سيغضبون. أبي وأخوتي وأولاد العم وأشياء كثيرة لا أدري كيف علقت الآمال على فهمي للرياضيات دون أن يكون لي يد في ذلك.
لم أشأ أن أكون مستقبلاً لأجل أحد مع وجود الرياضيات وبدأت أكره ذكائي عندما كنت في الصف السادس. فهو الذي ورطني في هذه الآمال الأسرية بمستقبل الطالب الذكي.. أيامها لم يكن هناك جا وجتا.. كانت المسائل أرقام تجمعها وتصبح ذكياً أما في الثانوية فالآمال معلقة عليك تقدم مجموع يدخلك كلية الشرطة ويصبح للأسرة ضابط يجلس جنب علي عبدالله صالح أو يقف خلفه على ما أظن.
كانت المادة قد حالة بيني وبين نفسي ودفعتني آخر الأمر كل الحقد العاجز الذي يكنه الطلبة الفاشلون لأهلهم.
ومرة واحدة فور انتهائي من قراءة، رواية عن المصير الإنساني استلفتها من مكتبة المدرسة. تلك المرة فقط خطر لي ذلك التمرد والاحتجاج على ما يريده لك الآخرون. ومض شيء في نفسي ما لبث أن تلاشى أثناء أول إجابة خرقاء على سؤال في حساب المثلثات.
في السينما وأنا لا استمتع بالفيلم ويوم الخميس أفكر في الرياضيات وتعذر علي إيجاد تسوية لمعادلة حياتي الغضة تلك.. قرأت كتباً كثيرة وحظيت بعلاقة مختلفة مع مدير المدرسة الذي كنت الوحيد من يطلب إليه أمراً بكتاب.. كان علي احتمال مؤخرة أمين المكتبة تقديراً للثقافة. كان يتجول بين سارتر وأحمد شوقي بمؤخرة أكبر مما يمكن احتماله ولطالما دفعني ذلك للتفكير في إصرار المصريين على هذه البدانة.. ونصائح الرجل عن الأدب الهادف وكيف أنه يجدر بي فقط قراءة محمد عبدالحليم عبدالله فهو يقوم بأشياء لا أذكرها أظنه قال (يربي النشئ) أثناء ذلك توسلني الأمين إنقاذه من مصيبة عُهدته الناقصة من أحد مجلدي أحمد شوقي. الجزء الأول فيما أظن.. المهم أنني سرقت له الكتاب من بيت عمي ولم يشكرني بكلمة.
أفكر الآن في كل هؤلاء الخائفين على أبواب المدارس الثانوية.. وأسأل أكان بوسعي تجنب ذلك كله؟
أيحتاج الطالب لمساندة، في شجاعة الاختيار.
أراقبهم أثناء مروري صدفة أمر بها أمام إحدى المدارس. وأُرجع كل الوجل في عيونهم إلى خوفهم من الرياضيات.. حتى مع وجود فرصة الغش هناك في هذه الحياة تهديدات لا يفوتها حتى الغش..
شخصياً لا أظن أحداً فهم تلك المادة كما يفهم الناس أشياء من نوع الكيمياء إذ يفنى جزء أوكسجين وجزيء هيدروجين إلى الماء (H2O) وكلا العنصرين موجودين في الهواء وهذه المعادلة مفهومة وممكنة ولدراستها علاقة بالحياة..
في حين لا تفضي معادلات الرياضيات حتى عند جمال الهجوة الذي برع فيها.. إلى شيء له علاقة بالحياة..
أتراه من خلالها يفهم الآن تقنية الاتصالات التي يعمل مهندساً فيها. كان جمال يفهمها بتواضع ولا ينصح أحد بكون الأمر أسهل مما يبدو عليه حقيقة.
تدفعك الرياضيات للذكاء في أشياء أخرى في الحياة وكنت أتباهى على مدرس التاريخ بكون المحاسبي قد سبق المعري ودانتي في رسالت الإسراء والمعراج وفي الكوميديا الإلهية.
لاشيء أكثر عنفواناً بالنسبة إلي أيامها من تلك الومضات التاريخية والمقولات الذكية على غرار ستلحق بي يوماً ما يا روبسبير.
كنتُ أقرأ عن فرنسا القرون الوسطى وأحب المؤامرات وأصوات بوابات القلاع الصدئة في ليالي النهايات المأساوية وضروب المذلات والخيانة.
تلك النهايات التي تمنح أحدنا ملاذاً من نوع ما وتجعلك حميماً إزاء عجز البشر في القرون الوسطى وفي حصص الرياضيات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق