الأربعاء، نوفمبر 03، 2010

لا يزالون يتعاملون بأخلاق أمين مدافن ذرة

محمود ياسين

أحاول طمأنة رجال الأعمال أن مجلة "صيف" لا تبتز أحداً.. وأكاد أردد لهم بحنق: ملعون من نشر إعلان..

يظهرون تعباً حقيقياً من فرط الابتزاز ورضوخهم للتهديد الصحفي بتشويه سمعة بضائعهم.. وهم في الغالب يأذنون بنشر إعلانات من قبيل المساعدة وتفهم ظروف الصحفي الذي يأخذ الموافقة وكأنه مريض كبد حصل على تذاكر إلى القاهرة و500 دولار.

بودي لو أقول لأحدهم (الغلاف الأخير قد أخذته شركة فلان) أو إننا سنؤجل إعلانك إلى العدد القادم.. أو يقتنع رجل الأعمال هذا أن المسألة بزنس، وأن مجلة الأيكنومست حصلت على المرتبة الـ6 في قائمة (حكام العالم الـ10) باعتبارها صانعة القناعات الاقتصادية في صباحات أسواق المال في العالم.. وأن تقدير رجال المال لقيمة المعلومة الاقتصادية هو من أعطى الإيكنومست والصحافة عموماً هذا الدور الهائل.

غير أنهم يعتقدون هذا الكلام نوعاً من الفلسفة التي يفضي السير وراءها وتصديقها إلى المجازفة. إذ إنه، وفي كل نقاش من هذا النوع عن أسلوب إدارة الأعمال في العالم، يصاب تجارنا بالوجل.. وكأنك لسان حاذق يوشك على جعلهم يصدقون أشياء خطرة.

ويعود الحديث في كل مرة إلى صحافتنا، والمسافة الفارقة ليست بين حاجة السلعة وأرقام توزيع المطبوعة الصحفية. ولا حتى بين مجلة صيف والأيكنومست، ولكنه الفارق بين صحفي مهذب وآخر أقل تهذيباً.

ندور جميعاً حول الطبع، ونعيش على المسافة الفارقة بين مستويين لخلق بدائي واحد.

ويبدؤون في سرد أقاصيص عن الصحفي الذي هدد أحمد الكحلاني ولم يرضخ فيما رضخ وزير لصحفي آخر. والمحصلة أنك لست ملزماً بصناعة قناعات اقتصادية، ولا صناعة قناعات بضرورة إنشاء بورصة أو سوق مال يمنية تقدم فيها تلك التحليلات. كل ما عليك هو التزام التهذيب أو التخلي عن مأزق (خاور ومستحي) وتكملها عدامة وصلافة وجه حتى النهاية.

وكأن الجميع متواطئ على طريقة غير معقدة في دنيا هي أولاً وأخيراً (طلبة الله) ولا شأن للرسوم البيانية ومعدلات الفائدة.

حتى الذين لعبوا لعبة المال وفقاً لخبرة عائلية ورثوا عنها أدوارهم في السوق، وسافروا كثيراً، وفصلوا بدلاتهم عند لانفان وآرمني، لا يزالون يوقعون على اتفاقات الإعلانات في لحظة صفاء إنساني أو خوف.

كم يتوجب على أحدنا ترديد فكرة البزنس هذه؟ ولطالما اعتقدت أن مهناً بعينها قد تصنع قناعات مغايرة بعض الشيء لطبع البلاد، لكنهم لا يزالون بأخلاق أمين مدافن ذرة؛ يفتح المدفن شهرياً حاملاً "الثمنة"، ويكيل لمن حوله مشقاية وصدقات.

حاول اقتفاء أثر أكثرهم سماحة وكرم نفس، ستجده قد بنى مساجد كثيرة، وأوقف مقابر، ولم يفكر يوماً في أشياء من قبيل اقتصاد الأسر المنتجة، أو إنشاء بنك إقراض مشروعات صغيرة، أو أن أحدهم مثلاً قد راقه كتاب ما فقام بإعادة طبعه.

كان هذا الموضوع محاولة إبداء اشمئزاز من عدد كبير من الصحفيين وأسلوبهم المخجل هذا في ابتزاز الناس وتوريطنا جميعاً في صورة مغلوطة. غير أن الأمر مضى باتجاه القادرين على الفعل أكثر.. على أن رجل الأعمال الذي برر لي أحد الصحفيين مهاجمة بضائعه كونه "رفض أن يدفع بالتي هي أحسن"، قد سبق الصحفي في تحديد وظيفة المال من البداية.

صادفت أيضاً رجال أعمال قادرين على الإصغاء وفهم الأمر كما هو في دنيا المال والصحافة، دون أن يتخلوا بالطبع عن انتزاع مبرر معقول لتسمية المجلة "صيف"، إذ يعتقد توفيق الروسي أن صيف هذا يصلح لمجلة أزياء، وحين تساءلت عن "لماذا لم تقم صحيفة يمنية بإيضاح مدى ارتباط أسواقنا بالانهيار المالي؟"، كان رجال الأعمال قد بدأوا يتساءلون عن: كم باقي لأذان المغرب؟ آخر القات لا يدري الجميع ما الذي يجدر بأحدنا تصديقه، وما الذي ينبغي تجاوز التفكير فيه. وغالباً ما يبرز مقترح حاجة البلد لسوق وثقافة بزنس. وكيف أنه يجدر بالصحافة خلق ثقافة اقتصادية من نوع ما. إذ كيف يتحجج رئيس تحرير مجلة بدور مجلة الأيكنومست، وكأن الحكاية قد عادت إلى لغز من جاء أولاً: البيضة أم الدجاجة..! وهل ينجز تقدير رجال الأعمال للمعلومة صحافة خطيرة، أم أن الصحافة الخطيرة هي من يقوم أولاً بإنجاز القناعة؟

تدور معظم معضلات الشرق الأوسط حول فكرة التبادلية تلك.. وسؤال من يقوم بما عليه أولاً. ومن الذي يترتب على الآخر.. الجماهير والأحزاب، الديمقراطية والتغيير السياسي.. السوق ورجل الأعمال..

لكن هناك دائماً ما هو أساسي.. والاعتراف بالحاجة الإنسانية لوجوده يمكنه دائماً من ترتيب الأولويات وتوزيع وظائف المال والسلطة.

وكأننا أولاً وأخيراً بحاجة إلى تنظير وسنوات اختبار أفكار ملهمة وثورة طبقات وحدوث أشياء غير مألوفة.

وهي في الأخير ما يجعل لقانون (الانتخاب الطبيعي معنى ما).. عندها ربما نحصل على مراكز قوى حقيقية غير مجموعات المحظوظين هذه.. ابتداء من النخب السياسية إلى أسماء الشهرة والتأثير المحدود جداً.

عندها يمكن تحديد مهنة الصحافة فعلاً على أنها، كما تقول صحفية إسرائيلية، مراقبة مراكز القوة و النفوذ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق