الأربعاء، نوفمبر 03، 2010

الرقص مع جدة أوباما

محمود ياسين


هذا أنضج الردود على تاريخ العبودية واحتقار السود – فوز أوباما سيخفف أيضاً من ألم رثاءات المثقف الأسود التي قام بها مثقفون بيض لصديق لم يتمكنوا من محبته كما ينبغي، وهو مثلهم مثقف لكنهم لا يشبهونه بما يكفي لمحبته.. الرثاءات تلك نمط من محاولات إنسانية للتخلص من الذنب عن طريق الإقرار.

ولطالما استخدم العالم حيلة الإقرار تلك وبقي السود في عالم بدأ يتخفف شيئاً فشيئاً من ذنب انتهى آخر المطاف إلى ما يشبه ذكرى سيئة تراود من أخفق في تخطي مأزق القدر الإنساني.

كان الأسود رئيساً للولايات المتحدة في أفلام الخيال العلمي فحسب، وهو رئيس فقط لضابط وحدة مكافحة إرهاب يقدر الرئيس والرئيس يقدره، وهذا الضابط خيالي هو الآخر كونه يتمتع بقدرات لا تملكها سوى الميتافيزيقيا.

بمعنى أن الأسود بقي رئيساً افتراضياً يحكم أناساً غير عاديين، وكأنه كان على بشر بدايات الألفية الثالثة أن يتمتعوا – إضافة لاقتناعهم بالمساواة- بمزايا أشبه ببرامج الإنسان الآلي ليصبحوا رعايا رئيس أسود..

بقي وعي العالم محتفظاً ببحثه وانتظاره لشيء ناقص – لا يمكن تحديده يضاف لمعادلة علاقتهم بفكرة الإنسان المتطور بلون الماء – شيء هكذا يمنحهم القدرة والاستعداد الكافي للتعامل مع الرئيس الأسود على أنه واقع عادي وليس افتراضياً بحال.

ينقص التاريخ غالباً- بأفكاره الافتراضية واستعداداته- أناس خارقون مختلفون.. يتصرفون كأناس عاديين.. وذلك ما تمكن منه أوباما، عندما توقف عن المحاججة والنضالات الحقوقية وترشح لرئاسة الولايات المتحدة، بثقافة عميقة.. ورؤى تغيير ليست خارقة بحال.. ترشح فحسب ولم يتورط في لعب دور "النبي الشهيد"، لم يحاول بطريقة أو بأخرى الضغط على ضمير عالم مقتنع لكنه بلا حيلة.

بسرعة تجاوز السود محنتهم... إذ إن الفارق الزمني بين ثورة المرأة السوداء على قانون المواصلات العامة العنصري، الذي كان يحرم السود من حق الجلوس على مقاعد وسائل النقل العامة – وبين جلوس حفيدها على مقعد البيت الأبيض- لا تزال تلك المرأة على قيد الحياة- إذ يحصل الناس في الأمكنة الملائمة على أحلامهم في زمن قياسي، وأي مكان ملائم غير الولايات المتحدة المتعافية غير المعقدة إطلاقاً. إنها تسمح لقدرة الفعل على التعبير عن نفسها بعدالة وبغيرما تدخلات ميتافيزيقية أو رأي ما لتاريخ اللاهوت والجغرافيا السكانية.

على هذه الأرض ذاتها قام الأبيض القادم خلف كريستوف كولمبس، المكتشف العظيم، بعملية تطهير عرقية عنيفة ضمن قناعات لها علاقة بالعلم.. كنظرية الانتخاب الطبيعي.

على أن إنسان ذلك العالم الجديد، إنسانه الأصلي، أدنى من إنسان أوروبا، بدليل أن الأخير هو من اكتشف الأول- وعلى عاتق هذا القانون ذاته أثبت أوباما أن لنظرية الانتخاب تلك تطبيقات أخرى مختلفة وقاسية أحياناً..

لسنا هنا بصدد الجناس بين الانتخابات الأمريكية والكلمة المشابهة في النظرية، غير أن الطبيعة إجمالاً تجد طريقها للتعبير عن ذاتها آخر الأمر. هذا ما قاله أحد علماء فيلم حديقة الديناصورات ضمن سياق هذا الإلحاح في الوعي الأمريكي على طبائع الأمور والقبول بفكرة أن الأمور يجب أن تأخذ مداها وتصل إلى النهاية.

جدته العجوز السوداء كانت ترقص في إحدى قرى كينيا عقب إعلان النتيجة. وزفتها نساء القرية وأطلقن الزغاريد مبتسمات لطقوس القدر الذي حمل عجوز قريتهم إلى مكان قريب جداً من عرش العالم. كانت جدة الامبراطور سوداء مؤمنة للغاية، وكانت سعيدة بهذا المعنى، وعلى طريقة المؤمنين بتصاريف القدر، وهذا هو المميز في منح الناس فرحاً ما دون أن يكونوا بالضرورة مناضلين حقوقيين ذرفوا دموع من اكتشف إلى أي مدى كان محقاً ومشاركاً في المكاسب العظيمة.

يجعلك أوباما تحب فكرة أن تكون رئيساً.. وأن تكون زميل أوباما الجالس إلى جواره في أحد المؤتمرات، ذلك رائع للغاية.

نوع من الشغف الذي تحول إلى حدث إذ لم يتوقف الأمر بعد حصولنا على عرض أمريكي مشوق انتهى بتمجيد الطموح الإنساني والثناء على المحاولات – لقد تعاملت كبريات الصحف الأوروبية من الليفيجارو إلى الليجورنالي الإيطالية على هذا الأساس وبغير تواضع. ووصفت العناوين الرئيسية فوز أوباما في ما يشبه الحديث عن حقائق تحول عالمي هائل.

وصفوا ذلك بشغف، وودت لو كنت صحفياً هناك معهم – ليس في الولايات المتحدة بالضرورة- كنت لأشغف وأبدي نباهة وروح دعابة على غرار: لقد أدخل أوباما الديمقراطيين إلى أوهايو شخصياً. أوهايو تلك الولاية التي لم يكن ديمقراطي ليجرؤ على دخولها بحثاً عن هامبرجر.

كان ذلك مضحكاً نوعاً ما، وليس بالضرورة أن يكون الشغف دقيقاً. لقد ضحك محررو صحيفة "الشارع" وتمنوا أيضاً لو كانوا محررين في النيويورك تايمز مثلاً، وذلك ما استدعى أقاصيص وافتراضات ماذا لو كان والد أوباما قد هاجر إلى مصر، كما افترض كاتب مصري منتهياً إلى أن الرجل كان ليكون طالباً في الأزهر ربما، ويبحث مرتدياً تلك الجبة والقفطان على طريقة لإثبات حقه في الجنسية كون أمه مصرية. عليه أثناءها التأكيد على حبه للأهرامات، وشربت من نيلها.. إلى آخر الأمر. لم يذكر الكاتب المصري الافتراضين الأخيرين.

الدعابات ليست سيئة مقارنة بحدث عظيم كهذا الذي لا تدري كيف تكون جزءاً منه..

ثم إن الانتخابات قدمت لي قائمة بالمعلومات عن الفارق بين الأصوات الشعبية والأصوات الناخبة. وكم لدى كاليفورنيا من أصوات ناخبة مقارنة بالعدد الضئيل لأصوات داكوتا مثلاً والتي فاز بها ماكين ولم يتجاوز الأمر حصوله على 3 مقاعد. وهكذا تابعت بمشاركة لا يرقى إليها الشك وكأنني أتساءل عن نتائج إب والبيضاء.

هنا يتواجد الديمقراطيون لأسباب وجيهة لها علاقة باللون ومستوى الدخل وطريقة الحياة، ومعلومات انتهت إلى البحث بجدية رهيبة عن نسبة الأصوات التي حصل عليها أوباما في المسيسبي الولاية التي لا يتردد فيها أحد القضاة عن تقديم النصح لمتهم أسود بالبحث عن محاكمة عادلة في ولاية أخرى.

الغريب في الأمر أنه في صبيحة الـ 12 من سبتمبر ألفين وواحد، لم يكن أحد في العالم ليتصور أنه وبعد 7 سنين فقط، وبعد هذا الرئيس (بوش) الذي يهدد بقيادة حرب صليبية، سيقوم الأمريكيون بانتخاب واحد ابن مسلم واسم أبيه حسين.

ليس مهماً الآن كيف أننا مقارنة بهم وتلك الأحاديث المطولة عن المناطقية وحقوق الزعامة، غير أن الأمر يبقى في هذا التأكيد المدهش على أنه هناك فحسب يمكن للأذكياء الحصول على اختبارات عادلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق