الأربعاء، نوفمبر 03، 2010

غريم متخفٍّ بحجم المؤتمر

محمود ياسين



لا أحد يدري شيئاً عن أسباب الخلاف بين المشترك والمؤتمر، إذ لا يدري الناس أن هناك خلافاً أصلاً. فمعرفة الناس بالأحداث السياسية شيء مختلف عن سماعهم بأمر اعتيادي لطالما انتهى إلى تسوية آخر المطاف – تسوية لا يترتب عليها جديد ما.

.. وعلى مدى 6 دورات انتخابية ومنذ الوحدة اهتم الناس وفقدوا اهتمامهم، وتحولت فكرة المعارضة في الوعي الجمعي إلى ما ليس نقيضاً لمفهوم الدولة في تفكيرهم البسيط. لذلك لا يعتقدون أنفسهم شركاء بطريقة أو بأخرى، ولم يتمكن أحد إلى الآن من دفع الناس للاهتمام وإشراكهم في أمر المعارضة على دوافع جديدة بعد أن سئموا فكرة مطلع وأصحاب منزل وأصبحوا كاملي الأهلية للثقة بما ليس صراعاً تاريخياً.

لا يقولون في مهرجانات شعبية نريد قوة سياسية جديدة تمثل أحلامنا على المدى القصير. غير أنهم يريدون هذا حقاً. إذ إن أمر "الديمقراطية منجز كبير" ليست فكرة فاعلة بالنسبة للمتضرر- المتضرر الذي لم يعد يكترث لوعود الغضب المناطقي، والذي أصبح مستعداً للسير خلف من يتمكن من ضمه لمجلس التعاون الخليجي في أقرب وقت.. من يجعل ظروفه أفضل بعد سنة على أبعد تقدير.

لم يتسيس شعبنا إلى الآن ولم يفرز ممثلوه الحقيقيون لأنه لم يتسيس.. وكان آخر عهده بالاهتمام الجماعي في حرب 94 وما قبل.. بعدها توقف الناس عن انتظار حوافر انتخابهم الرجل الصالح بعد أن توقفوا منذ زمن بعيد عن كونهم شوافع.. أثناء ما تعرف أبناء شمال الشمال إلى كونهم شركاء في ظروف الآخرين القاسية.. وتوقف أغلبهم عن ترديد: إحنا عيال الدولة، بنبرة الذي من (البيت).

وبقي المؤتمر الشعبي العام الأقدر على التواصل مع ما هو أساسي ولو بدرجة ضئيلة في طموحات رجل يحلم بدرجة وظيفية لابنه المنضم حديثاً للمؤتمر.

على مدى عقد ونصف بقي المؤتمر - في مستوى معين- يتفاوض مباشرة مع الناس. ابتداء من مشروع المياه مروراً بالدرجة الوظيفية وحتى بطاقة شيخ براتب ألف ومائتي ريال. فيما لم تتمكن أحزاب المعارضة من تقديم دوافع للناس.. وبقيت العلاقة مع هذه الأحزاب عند الكثيرين تهديداً لطموحاتهم الوظيفية البسيطة.

ويمكن شرح الأمر هكذا - يمثل المؤتمر للناس ما هم عليه (حقوقهم مقابل التجمهر) - جزء بسيط من حقوقهم وطموحات بعضهم في الوجاهة وطلعة صنعاء ضمن ما عرف مؤخراً بـ"تسوية الوضع". فيما يمثل المشترك الآن من خلال ما ستكون شخصيته السياسية في المستقبل- يمثل مستقبل الناس.. الأمر أشبه بوعد "عندما تتحسن ظروفي سأحسن ظروفك"، إذ لا وقت لدى الأخير لعملية التثقيف السياسي الجماهيري واسع النطاق. إذ إن علاقته بالناس منحصرة في البحث عن أسباب وجيهة لإقامة علاقة.. وباستثناء سبب التدين و"أنا جنوبي" يبقى المشترك عرضة لغريم متخفٍّ بحجم المؤتمر.. حزب حاكم لا يرزح تحت ضغط من نوع ما، إذ لا يذكر أنه وعد أحداً بشيء.. وليس ملزماً باستخراج هوية سياسية لممارسة العمل.. إنه يعمل بشخصية ابن الشيخ غير المعقد على الإطلاق ولديه خبرة طويلة في الحياة على الارتجال.

بين هذين الطرفين صراع، وما من جغرافيا سياسية وما من جماهير تبحث عن "الأب المخلص"، وسلطان البركاني يقود ميمنة سلطة لم تعد مطلع.

إذن أي دافع للاهتمام بعد سئم الناس لكل دوافعهم القديمة بعد إحساسهم بلذعة ظروفهم الجديدة..

لم تفتح السماء بركاتها على أهل القرى الذين يعتقدون أنفسهم آمنوا واتقوا - ذلك أن الله لا يخلف وعده- فاعتقدوا أنفسهم لم يؤمنوا ولم يتقوا كما يجب.. الحلول كلها هناك في مكان بعيد وناء ومستحيل.

الحلول أحلام أناس سيكسبون نقوداً كثيرة ربما من كنز تحت باب البيت القديم.. أو خليجي غني جداً يعلق في مكان ما وينقذه خيال الناس بجشع العاجز وبلا نبالة تذكر.

في ذروة الوجود النفسي اليمني سيغتني الرجل في مخيلته، لا يدري كيف، لكنه سيغتني، ويمد أنابيب المياه إلى كل بيت. بعدها يعاقب مذليه القدامى ويتزوج 4 نساء. أما انتظار دولة الخلافة أو عودة برميل الشريجة لم يعد ذا بال ولم يعد أحد يمثله أصلاً وليس قادراً حتى على ذلك التمثيل ولو من قبيل الواقعية السياسية المكتفية بنصيبها من دوافع حالة جماهيرية بدائية. جماهيرية مستعدة للتعامل مع ما هو أساسي أكثر وبسيط أكثر. وهذا ما يقدره المؤتمر الشعبي العام في جماهيرنا تقديراً عالياً.

يظن المشترك أنه سيكون جماهيرياً بما يكفي ذات يوم، وأن الإصلاح مثلاً سيتمكن من تحويل "أفرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم"، إلى برنامج سياسي يحفظ الهوية الإسلامية للحزب في سياق وظيفة تاريخية يمثل فيها حالة اليتم الواسع الذي هو في الأخير جماهير.. هذه الفكرة تبعث على الحماس حقاً، غير أنها ومضة في رأس محمد قحطان مثلاً، وسيبدو لامعاً وهو يرددها دون أن يشير بالطبع إلى أنه سمعها مني، فهو كان سيصل إليها على كل حال.

المسألة أعقد من هذا بكثير - هكذا أظن، والناس لا وقت لديهم للمشاركة الناجزة في تشييد بناء هائل لمنهج تفسيري جديد، ويلبي طموحات شريحة كبيرة من أبناء - أمتنا- الخ الخ.

قلت لأحدهم في القرية: أنا ومحمد قحطان (توصلنا إلى) أن الذي يكذب بالدين هو الذي يدع اليتيم، فقال: هاه... وبقي شارداً حتى نسي أحدنا الآخر.

يمكن شرح الأمر هكذا.. الخلاف بسبب السجلات الانتخابية.. إذ يعتقد المشترك أن المؤتمر تلاعب بتلك السجلات وأنه ضمن مسبقاً دوائر بعينها كانت مفاجأة الانتخابات السابقة على غرار دوائر الإصلاح التي حصل عليها في أمانة العاصمة. والورقة الرابحة هي أن المؤتمر لن يجازف بخوض الانتخابات وحده أو بمعارضةٍ من الأحزاب الصغيرة خارج المشترك... ويعتقد المؤتمر (باعتبار أن ما يعلنه أي طرف هو ما يعتقده) أن المشترك يتلكك بسبب خشيته من خوض الانتخابات بلا ضمانات. حزبيو المؤتمر تحديداً يسعون للحؤول دون ما يظنونه إعطاء ضمانات مسبقة. والمؤتمر على كل مطمئن لكون المشترك لن يمضي بالمقاطعة إلى خط النهاية وسيتفاوض آخر الأمر.

وما يحدث الآن تحديداً أقرب إلى لعبة عض الأصابع، على أن لا شيء يؤكد أن أسنان أحد الطرفين أقوى.

وأسوأ ما في الأمر هو في ركون الحزب الحاكم لجاهزيته في استثمار ظروف الناس السيئة، وفي عجز المشترك عن التواصل الكامل مع الناس من خلال تلك الظروف.

المقالة منشورة بتاريخ سابق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق